من تلقاء نفسه في كل عمل يقوم به، ولكل عمل على الإطلاق أخلاقيات حددها القرآن أو حددها الرسول صلى الله عليه وسلم في توجيهاته للمؤمنين.

كان القرآن في مكة يتنزل بهذه المعاني التربوية العقيدية، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يحدثهم عن الله عز وجل، ويرسخ في نفوسهم جلال عظمته، ويبين لهم في شخصه الكريم كيف تكون العبودية الخاصلة لله، تسليمًا مطلقًا لله، وخضوعًا كاملًا لأوامره وتوجيهاته، وتوقيرًا خالصًا لذاته العلوية، وذكرًا وتسبيحًا، وتطلعًا دائمًا بالخشية والحب، وربطًا لكل شيء في هذا الكون بإرادته ومشيئته، رؤية لقدرته القادرة في كل ذرة من ذرات هذا الكون.

كما كان صلى الله عليه وسلم يحدثهم عن اليوم الآخر وأهوال الحشر، وما ينتظر الكفار فيه من ألوان العذاب البشع، وما ينتظر المؤمنين من ألوان المتاع التي لا تخطر على قلب بشر، ويعلمهم أن طاعة الله ورسوله هي الطريق إلى هذا المتاع الخالد الدائم، وأن الكفر بالله ورسوله هو طريق النار. وكانت أحاديثه التفصيلية عن يوم الحشر وأنواع العذاب وألوان النعيم تزيد الصورة القرآنية تجسدًا في وجدانهم، فيعيشونها اللحظة كأنما يرونها رأي العين، وتنفعل بها نفوسهم فيعيشون في خشية من ذلك اليوم الرهيب.

وكان يحدثهم كثيرًا عن أخلاقيات لا إله إلا الله ويعاود تذكيرهم بها، ويتابع ممارستهم لها، ويقوم ما يحتاج إلى تقويم في تلك الممارسة العملية، ذلك أن المربي العظيم يعلم أن هذا الأمر في حاجة إلى تذكير وتوكيد، ومتابعة دائمة، فإن الإنسان إذا ترك وحده عرضة لأن ينسى، وعرضة لأن تغلبه النفس الأمارة بالسوء، حتى ينتهي بها التذكير الدائم والممارسة الفعلية لأن تصبح هي النفس اللوامة التي تقوم من تلقاء ذاتها بتذكير صاحبها ومتابعته.. فإذا وصلت لأن تكون هي النفس المطمئنة، التي اطمأنت بالإيمان واستقامت عليه، فتلك غاية الغايات.

وكان المربي العظيم يعلم كذلك أن الإيمان يمكن أن يتم في لحظة، لأنه مسألة بصيرة تتفتح فترى الحق فتسارع إليه. وأنه حين يحدث لا يرتبط بإلف ولا عادة ولا وضع سابق. أما الأخلاق فهي أمر آخر، يحتاج إلى تعويد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015