وهذا درس في العقيدة ودرس في التربية كذلك.
فالإنسان عرضة دائمًا لأن يغفل وينسى:
{وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ} 1.
ولا بد من تذكيره لكي يتيقظ من غفلته ويتذكر. والتوكيد على التربص الشيطاني للإنسان معين على اليقظة والتذكر. ومن ثم فهو يؤدي مهمة تربوية، تساعد على ضبط الدوافع الحادة. وتزجر عن الاندفاع وراء الشهوات.
وكان القرآن يندد بأخلاق الجاهلية المنتكسة ومفاهيمها الجاهلة الهابطة، ويضع في مقابلها الأخلاق الإيمانية التي ينبغي أن يكون عليها البشر السوي، الذي كرمه الله وفضله، وهداه النجدين، وأعطاه القدرة على التمييز والاختيار:
{وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} 2.
وبعض السور تكاد أن تكون "متخصصة في هذا الأمر. فسورة الفجر تندد بأخلاق الجاهلية، وسورة الإسراء تفصل الأخلاق الإيمانية المطلوبة من المؤمنين. وسور أخرى تعرض لهذه الموضوعات في أثناء السياق.
والجانب التربوي من هذا الموضوع واضح بلا شك. فكلها توجيهات أخلاقية، ومن ثم فهي توجيهات تربوية. وهي متصلة بالعقيدة في ذات الوقت. فهذه العقيدة الإسلامية ليست نظرية تحفظ، وليست لاهوتًا يدرس، إنما هي واقع سلوكي معين لا بد أن يرى أثره في واقع الأرض. ومن ثم كانت لها "أخلاقيات" متصلة بها ومنبثقة عنها، أخلاقيات تشمل الحياة كلها وتضع لها منهجًا مفصلًا، في السياسة والاقتصاد والاجتماع وعلاقات الجنسين وعلاقات الأسرة، وعلاقات السلم وعلاقات الحرب.. وفي كل مجال من مجالات الحياة. وكانت مهمة التربية الإسلامية المرتكزة على توجيهات القرآن وتوجيهات الرسول صلى الله عليه وسلم هي ترسيخ قواعد هذه الأخلاقيات والتدريب الدائم عليها، حتى تصبح عادة للإنسان يقوم بها دون جهد، ويتوجه إليها