كان يعرفه بمنشئه، من قبضة من طين الأرض ونفخة علوية من روح الله. وبدوره في الأرض وهو الخلافة عن الله. وبغاية خلقه وهي عبادة الله، بمعناها الواسع الشامل الذي يعني الائتمار بأمر الله في كل شأن من شئون الحياة، والتوجه في عمله إلى الله, وبمصيره بعد الموت، من بعث وجزاء.
وبذلك تكتمل الصورة كلها من المنشأ إلى المصير. ويعرف الإنسان طريقه ومهمته ودوره، فلا يتخبط في اختيار الطريق، ولا يتخطى المهمة ولا يقصر عنها، ولا يركبه الغرور في أداء الدور فيصنع من نفسه إلهًا أو طاغوتًا يستعبد الناس، ولا ينحسر بدوره كذلك فيقبل العبودية الذليلة للطاغوت بدلًا من العبودية الكريمة لله.
وهذا كذلك درس في العقيدة ودرس في التربية في ذات الوقت، لأنه يحدد خط السير، ويضبط مسار الخطى عليه.
وإن الجاهليات لتأكلها الحيرة وتفسد حياتها حين تسأل: من أين؟ وإلى أين؟ ثم لا تجد الإجابة الصحيحة فتضرب في التيه، كما يقول شاعر جاهلي معاصر:
جئت لا أعلم من أين، ولكني أتيت ... ولقد أبصرت قدامي طريقًا فمشيت
وحين تدركها هذه الحيرة وتحس بالضياع، تلجأ إلى ملذات الحس, تستنفد بها الطاقة وإلى المخدرات والمغيبات تغرق فيها همها المقيم. فلا هي في الحقيقة تنسى ولا هي في النهاية تستقر.
والتربية الإسلامية التي ترتكز على هذه الصورة الواضحة المحددة للمنشأ. والدور، والغاية، والمصير، هي التي تمنح الإنسان الطمأنينة وتطلق طاقته للبناء في واقع الأرض بلا حيرة ولا قلق ولا اندفاع مجنون.
وكان القرآن يعرف الإنسان بقصته مع الشيطان، وكيف استكبر وأبى أن يسجد لمعجزة الله في خلق آدم على هذه الصورة الفريدة في كل الخلق. وطرده من الجنة، وتوعده بغواية بني آدم وفتنتهم عن طاعة الله وشكره، بتزيين الأرض لهم، وشغلهم بها عن الآخرة والعمل لها، وتزيين الكفر والعصيان واتباع مناهج غير منهج الله.