فثقلة الأرض عنيفة في الحس البشري شديدة العنف. بقدر عنف الدوافع الفطرية وضغطها على الحس.

{زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} 1.

ولا شيء يمكن أن يعين الإنسان على ضبط هذه الدوافع والوقوف بها عند الحدود المأمونة التي فرضها الله، قدر ما يعينه الإيمان باليوم الآخر، الذي يعوض فيه الإنسان عن كل حرمان تعرض له في الأرض، بنعيم دائم لا ينفد، فضلًا عن كونه نعيمًا أجمل وأصفى وأجود.

وأي بديل يمكن أن تصنعه البشرية لضبط الدوافع ووقفها عند حدها لا يمكن أن يقوم مقام الإيمان باليوم الآخر أو يفعل مفعوله في النفس. وهذه تجارب البشرية كلها قد عجزت عما قامت به التربية الإسلامية في إحكام ويسر، وهي ترتكز إلى هذا الإيمان العميق باليوم الآخر، وما فيه من ثواب وعقاب.

أحد البديلين هو الدولة والقانون. والإسلام لم يغفل الدولة والقانون حين قامت الدولة في المدينة. ولكنه يعلم أن عين الدولة لا يمكن أن ترى كل حالة، ويد القانون لا يمكن أن تطولها.

والبديل الآخر هو طرح الأرض جانبًا وإهمال الجسد ونبذه واحتقاره كما تصنع البوذية والرهبانية، لتطهر الروح، فيختل توازن الإنسان بكبت هذه الدوافع الفطرية واستقذارها، وتختل الحياة البشرية بتعطيل دفعتها الإيجابية المتحركة الفاعلة في واقع الأرض.

ولكن التربية المرتكزة على الإيمان بالله واليوم الآخر هي وحدها التي تحفظ للإنسان توازنه في الأرض. ولا تعطل دفعة الحياة.

وكان القرآن يعرف الإنسان بنفسه، بعد أن عرفه بربه وباليوم الآخر.. ويجيب كذلك على تساؤلات الفطرة: من أين؟ وإلى أين؟ وهي تساؤلات تفرض نفسها على الإنسان فرضًا وتلح في طلب الجواب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015