سرد قصص الأنبياء ووحي الله لهم، وقصص المكذبين وما فعل الله بهم.

ويجيء في قصة خلق الإنسان من قبضة من طين الأرض ونفخة من روح الله.

ويجيء في قصة إبليس وطرده من الجنة وترصده لبني آدم. ويجيء في مناقشة عقائد الجاهلية الفاسدة وأخلاقها المنتكسة، والدعوة إلى الأخلاق الربانية الإيمانية. ومن ثم كانت الموضوعات كلها -على اختلافها- موضوعات عقيدة، إذ كان الهدف الأساسي من إيرادها جميعًا هو التعريف بعظمة الله الخالق الرازق المدبر المحيي المميت المنتقم الجبار الغفور الرحيم، صاحب اليوم الأول واليوم الأخير ... ثم تأتي الأهداف الأخرى كلها منطوية تحت هذا الهدف الأكبر ومرتبطة به.

وقد يخطر على البال لأول وهلة أن هذا التعريف الواسع بالله سبحانه في السور المكية إنما جاء بهذا الاتساع لأن العرب في جاهليتهم كانوا في حاجة إلى هذا التكرار والتوكيد ليتركوا عقائد الشرك الفاسدة ويوقنوا بوحدانية الله فيعبدوه وحده ويخبتوا إليه.

ولكن ذكر الله -على نفس النمط وإن كان في مساحة أقل- في السور المدنية ينفي على الفور هذا الخاطر. فقد كان القرآن في المدينة يتنزل في أمة مسلمة تؤمن بالله ورسوله وتجاهد بأموالها وأنفسها في سبيل الله. فلو كان هذا التكرار والتوكيد موجهًا إلى الكفار وحدهم ليؤمنوا ما كانت هناك ضرورة لتوجيهه إلى المؤمنين الذين آمنوا بحقيقة الألوهية بالفعل، وترسخت في وجدانهم إلى حد أنهم يقاتلون من أجلها ويستشهدون في سبيلها بنفس راضية مطمئنة.

لا بد إذن أن يكون هذا التكرار والتوكيد لازمًا للمؤمنين أيضًا، ليزدادوا إيمانًا مع إيمانهم، وليظلوا على ذكر دائم لربهم، ولا يغفلوا عنه لحظة، فلحظة الغفلة هي لحظة الشيطان.

وذلك درس مهم في التربية الإسلامية، وعته الجماعة الأولى فكانت على ما كانت عليه من عظمة ورفعة وسموق. وينبغي لكل جماعة تريد أن تستأنف الطريق أن تكون على وعي منه، لأنه هو الزاد، وهو المعين على وعثاء الطريق.

وليس القصد من ذلك هو حلقات الذكر المعروفة عند المتصوفة فما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك وهو القدوة في كل أمر من أمور الإسلام.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015