كان في رسول الله صلى الله عليه وسلم من صفات العظمة الخارقة ما يحبب فيه أتباعه حبًّا كان يغيظ قريشًا ويكرثها ويثير عجبها حتى قال أبو سفيان حانقًا: "ما رأيت أحدًا يحبه الناس كحب أصحاب محمد محمدًا"! وكان فيه من صفات القيادة والزعامة ما يجعله مطاع الأمر من أتباعه بغير سلطان. وما كان له عليهم من سلطان قبل إقامة الدولة إلا سلطان الحب الخالص والإعجاب العميق. وكان شديد الاهتمام بهم، يرعى كل واحد منهم كأنما هو صاحبه الأوحد أو صاحبه الأثير عنده. وكان يمنحهم من الحب ما تقر به نفوسهم فيطمئنون على مكانتهم عنده، ويبادلونه الحب بأقصى ما تستطيع نفوسهم الصافية.

ثم.. لقد كان عنده ما يعطيه.

وأي عطاء؟!

منهج الحياة كلها. كبيرها وصغيرها. دنياها وآخرتها.. روحيها وماديها.. والنعمة الكبرى التي تؤهل الإنسان لرضاء الله.

كان عنده الإسلام!! ومنهج التربية الإسلامية!

كان القرآن في مكة يتنزل كله في العقيدة، يعرف الناس بالله، وباليوم الآخر، وبقصص الأنبياء والمكذبين من قبل، وبقصة آدم، وبقصة الشيطان مع آدم, وبأخلاقيات لا إله إلا الله التي يريد الله أن تحل محل أخلاق الجاهلية.

وكلها دروس في العقيدة، ودروس في التربية الإسلامية في ذات الوقت. ذلك أن التربية الإسلامية قائمة على العقيدة ومرتبطة بها أشد الارتباط، وكل درس قرآني في العقيدة كان يضيف إلى رصيد التربية على المنهج الرباني الفريد.

والتعريف بالله -كما أسلفنا- هو الموضوع الذي يشمل المساحة الكبرى من السور المكية، وهو لا يزال يتردد في كل سورة، بصورة متعددة، وأجواء متعددة، ومواقف متعددة، يجيء ذكرًا مباشرًا لصفات الله سبحانه تعالى. ويجيء وصفًا لقدرته القادرة التي لا يعجزها شيء في السموات ولا في الأرض. ويجيء في تفصيل خلق الله للسموات والأرض وتقدير أقواتها وتدبير أمرها. ويجيء في مشاهد القيامة في مواقف الحساب والثواب والعقاب. ويجيء في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015