تكون فيها الشخصية قوية في ذاتها, ومع ذلك تكون عاجزة عن القيادة لفظاظة أو عزلة وعزوف عن الناس.. وسبحان موزع الطاقات وموزع الأرزاق!

هذه الخصال الست: أن تكون شخصية المربي أكبر من شخصية المتلقي، وأن يكون عنده ما يعطيه، وأن يحسن طريقة العطاء، وأن يكون له القدرة على الاهتمام بمن يربيهم، والقدرة على المتابعة والتوجيه الدائم، والقيادة التي تقدر على فرض الطاعة. هذه هي الخصال الضرورية للمربي - أي مرب- لكي يتمكن من القيام بمهمته الخطيرة في تربية الآخرين.

طفل واحد يتربى في حاجة إلى هذه الخصال الست، كأمة كاملة تتربى. ولكن شتان في الدرجة بين الطفل الواحد والأمة الكاملة.

كلما زادت رقعة التربية وزاد عدد المتلقين كانت الدرجة المطلوبة من هذه الخصال أكبر.

فكل إنسان قد يصلح -جوازًا- أن يكون مربيًّا في حدود بينه وأطفاله "وإن كان كثير من الآباء في الحقيقة يعجزون! ".

ولكن تربية أربعين طفلًا في فصل من مدرسة مهمة تحتاج إلى موهبة أكبر، وإلى قدر من الخصال المطلوبة أكبر، وإلى علم وتجربة أكبر "وإن كان كثير من المدرسين في الحقيقة يعجزون"!

أما قيادة جماعة من البشر، فهي في حاجة إلى شخصية غير عادية، موهوبة ومدربة وذات خبرة تقدر على توفير مطالب التربية لهذه الجماعة، وهي شيء غير الطفل الواحد وغير المجموعة من الأطفال.

وأما قيادة أمة فأمر أخطر بكثير من قيادة جماعة، وأحوج بكثير إلى مزيد من الخصال الست المطلوبة.

فما بالك بقيادة البشرية؟!

لقد كان محمد -صلى الله عليه وسلم- معدًّا لقيادة البشرية!

بهذه التهيئة الربانية لقيادة البشرية كان الرسول صلى الله عليه وسلم يرعى أصحابه ويوجههم ويربيهم على منهج الإسلام. وهؤلاء الذين تلقوا منه مباشرة وتربوا على عينه صلى الله عليه وسلم هم الذين كتبوا التاريخ!

طور بواسطة نورين ميديا © 2015