-مهما كان مخلصًا ومهما كان صوابًا في ذاته- إنما يحتاج الأمر إلى المتابعة والتوجيه المستمر.

إن المتلقي نفس بشرية وليس آلة تضغط على أزرارها مرة ثم تتركها وتنصرف إلى غيرها فتظل على ما تركتها عليه!

نفس بشرية دائمة التقلب متعددة المطالب متعددة الاتجاهات، وكل تقلب، وكل مطلب، وكل اتجاه في حاجة إلى توجيه!

وليست الحالة المستجدة فقط هي التي تحتاج إلى توجيه! إنما تحتاج هذه إلى توجيه جديد. أما الحالة التي حدثت من قبل مرة ومرات، وأعطيت التوجيهات فيها مرة ومرات، فهي ليست حالة منتهية! وليست في غير حاجة إلى توجيه!

فالعجينة البشرية عجينة عصية تحتاج إلى متابعة دائمًا. وليس يكفي أن تضعها في قالبها المضبوط مرة فتنضبط إلى الأبد وتستقر هناك! بل هناك عشرات من الدوافع الموارة في تلك النفس، دائمة البروز هنا والبروز هناك، ودائمة التخطي لحدود القالب المضبوط من هنا ومن هناك، ولا بد في كل مرة من توجيه لإعادة ضبطها داخل القالب، حتى تنطبع نفس المتلقي بالتوجيه، فيقوم هو بذاته بعملية المتابعة والضبط بدلًا من المربي. ولكن لا يحدث أبدًا أن يستغني الأمر عن المتابعة والتوجيه والضبط، من المربي أو المتلقي سواء! ومن هنا مشقة التربية وخطورتها. وضرورتها في ذات الوقت. فإما هذا الجهد الدائب. وإما الضياع!

والشخص الذي لا يجد في نفسه الطاقة على المتابعة والتوجيه المستمر شخص لا يصلح للتربية, ولو كان فيه كل جميل من الخصال!

وليس معنى التوجيه المستمر هو المحاسبة على كل هفوة! فذلك ينفر ولا يربي! فالمربي الحكيم يتغاضى أحيانًا, أو كثيرًا ما يتغاضى عن الهفوة وهو كاره لها؛ لأنه يدرك أن استمرار التنبيه إليها قد يحدث رد فعل مضاد في نفس المتلقي. ولكن إهمال التنبيه ضار كالإلحاح فيه. وحكمة المربي وخبرته هي التي تدله على الوقت الذي يحسن فيه التغاضي, والوقت الذي يحسن فيه التوجيه. ولكن ينبغي التنبه دائمًا من جانب المربي إلى سلوك من يربيه، سواء قرر تنبيهه في هذه المرة أو التغاضي عما يفعل. فالتغاضي شيء، والغفلة عن التنبه شيء

طور بواسطة نورين ميديا © 2015