آصرة الدم. وكم من صراع ومنافسة وتحاسد وتباغض كان يكون قاعدة المشاعر بين من تربطهم أواصر الدماء. وإن تظاهروا بالمحبة رئاء الناس! أما هنا فلا تحاسد ولا تباغض. ولكن مودة ومحبة وإيثار.

حقًّا إنها أقوى من روابط الدماء!

ثم إن لقاءاتهم السرية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تزيدهم ترابطًا وألفة ومحبة.

إن اللقاء في الفسحة قد ينشئ مشاعر طيبة في نفوس الناس. ولكن المحك الحقيقي هو اللقاء في الضيق! فإن تمت المودة في اللقاء على الضيق فهي المودة الأصيلة الباقية الثابتة؛ لأنها الخلاصة الصافية من مشاعر النفوس.

وذلك هو الذي كان. والذي أحسه ذلك المؤمن وهو يلتقي بإخوته في دار الأرقم، مستترين فيه من بطش قريش!

ما الفرق بين لقاء الجاهلية ولقاء الإسلام؟!

لماذا أحس ذلك المؤمن بتلك المشاعر الصافية التي لم يكن يحسها من قبل، ولماذا لا تتذوق الجاهلية طعم هذه المشاعر ولا تتوصل إليها؟ لماذا لا توجد تلك المشاعر إلا على العقيدة؟!

إن الأمر ليس سرًّا غامضًا ولا سحرًا، وإن كان أقرب في نظر الناس إلى السحر!

في الجاهلية يتلاقى الناس وقد أبرز كل منهم ذاته بادئ ذي بدء بحثًا عن مصلحته. فلا تتلاحم المشاعر ولا القلوب. لأن هذه البروزات يحتك بعضها بعض، في العلانية أو تحت السطح، فتمنع التلاحم الحقيقي، ولو التصق بعضها ببعض -على المصلحة- فترة من الزمان.

وفي الإسلام يلتقي الناس على العقيدة في الله. يلتقون لأن كلًّا منهم يحب الله ورسوله. فلا تكون ذواتهم بارزة ولا متوفرة لاقتناص المصلحة من الآخرين.

إنما يكون الجانب البارز هو الحب. والحب عنصر سريع التلاحم شديد الالتصاق.

والإنسان المؤمن ليس في حاجة إلى توكيد ذاته بالبروز الزائد عن الحد.

إنه موجود بالفعل، مطمئن إلى وجوده، يجد ذاته متكاملة في هذه العقيدة، ويطمئن قلبه بذكر الله:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015