و"الجماعة" من الوجهة الشرعية واجب لا يتم الإيمان إلا به.

ولكننا هنا نتحدث في مجال متخصص هو مجال التربية. فنقول إنها واجب لأنه لا يمكن أن يتم البناء النفسي والأخلاقي الصحيح للإنسان إلا في داخل الجماعة، حيث يبرز الجانب الجماعي من الإنسان بصورة تلقائية بحكم ضرورة "التعامل" مع الآخرين، وحيث يمكن للمربي أن يلاحظ أسلوب التعامل، فيقوم ما قد يكون فيه من انحراف، أو يثبت ما يجده فيه من استقامة لكي يتأكد وجوده ولا يكون عرضة للانحراف عندما تضغط الظروف على المشاعر والوجدان.

وقد يبدو الإنسان لطيف المعشر حلو الشمائل حين تلتقي به لأول وهلة لقاء محدود التعامل، أو لقاء في فسحة لا تحتك فيه المصالح ولا تحتاج فيه "الذات" إلى البروز. ثم تفاجأ به ذا جفوة وغلظة، أو ذا أنانية حادة، أو ذا نزعة إلى التسلط، أو كسولًا لا يتعاون مع الآخرين، حين تجمعك به ظروف تضطر الإنسان أن يكشف عن حقيقة ذاته.. وخاصة ظروف الضيق والشدة. وهي أشد ما يبرز حقيقة الإنسان.

ومن هنا لا يستطيع المربي أن يعرف طبيعة الشخص الذي يربيه حتى يوجده في جماعة، ويرقب طريقة تصرفه إزاءها. ثم يقوم ما يحتاج في نفسه إلى تقويم.

ونعود الآن إلى الجماعة المؤمنة، الملتقية في الله ورسوله، بعد أن أدركنا كيف أن التقاء هذه الجماعة على حب الله ورسوله كان خطوة تالية من خطى التربية الإسلامية، بعد خطوة الحب ذاته لله والرسول. الأول تكون الفرد بكيانه الفردي، والثانية تكونه بكيانه الجماعي، فيتكامل من هذه وتلك.

لقد أحس ذلك المؤمن برباط من نوع جديد يربطه بهؤلاء الإخوة في الله ورسوله.

إن كل واحد منهم يحب أخاه كنفسه. ولا هو من قبيلته، ولا بينهما آصرة الدم.

بل إن آصرة الدم -حين كانت في الجاهلية- لم تكن تنشئ في نفسه ذلك الحب الصافي العجيب الذي يحسه الآن لأخيه في العقيدة الذي لا تربطه به

طور بواسطة نورين ميديا © 2015