وكما يدرك من صورة نفسه قبل أن يجد الطريق الحق، الواضح المعالم، المستقيم الخطى، المحدد الغاية، فإنه هكذا ينظر الآن إلى هذا المجتمع الذي كان من قبل قطعة منه. يراه هائمًا على وجهه بغير وجهة. ضائعًا بغير غاية. ليس له وجود حقيقي إنما هو مجموعة من الأوهام.

ويحس لتوه بالافتراق عن هذا المجتمع.. كل منهما يمشي في طريق. أو أنه هو يسير في طريقه المحدد، والمجتمع يهيم في غير طريق.

وتتقطع الأواصر بينه وبين هذا المجتمع ولو كانت أواصر القربى!

ما الذي يربطه اليوم بهؤلاء القوم، وهم على عمايتهم وجهلهم بالحقيقة الكبرى التي أنعم الله عليه بمعرفتها: حقيقة الألوهية؟ إنه يحس هذه الحقيقة ملء كيانه كله، ثم يرى القوم خواء منها، تعشش في وجدانهم في مكانها خرافات ما أنزل الله بها من سلطان. لقد كان مثلهم تملأ وجدانه الخرافة، ولكنه اليوم وقد تفتحت بصيرته ينظر بعين جديدة صادقة النظرة نافذة إلى الحقيقة، فيستنكر تلك الخرافة ويستبشعها ويستعيذ منها. ويحمد الله على أن نجاه منها وهداه إلى سواء السبيل.

ويتجه قلبه لتوه إلى كيان آخر، يلتصق به ويحس أنه أصبح قطعة منه، ذلك هو رسول الله صلى الله عليه وسلم والقلة المؤمنة معه، التي أدركت تلك الحقيقة الكبرى، فالتقت قلوبها ومشاعرها عليها.

نعم.. هنا متجهه وههنا ارتباطه.

هذا هو الجو الذي يستطيع أن يتنفس فيه فلا يحس الاختناق، ويجد اللغة المشتركة يتحدث بها إلى الآخرين.

ولكن.. ههنا عجيبة أخرى لم تكن من قبل!

هذا مجتمع جديد أصبح قطعة منه. نعم. ولكن ما بال هذه المشاعر الجديدة التي لم يكن يجد مذاقها من قبل، وما بال هذه الأواصر التي لا يعرف لها مثيلًا فيما مضى من حياته؟!

مجتمع من نوع جديد؟؟

ألم يكن يعيش في مجتمع من قبل؟ وكان بينه وبينه تفاهم ومودة والتقاء في الأفكار والمشاعر وأنماط السلوك؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015