هذا الحب الذي يحرك حياته كلها هو مفتاح التربية الإسلامية ونقطة ارتكازها ومنطلقها الذي تنطلق منه.
كل شيء في التربية بعده سهل، مهما كان صعبًا في ذاته. فأما إن لم يوجد، فستكون أي تربية إلا أن تكون هي التربية الإسلامية!
يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين" 1.
ويقول: "ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله تعالى، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار" 2.
ثم لقد أحس ذلك المؤمن من لحظته أن هذا المجتمع الجاهلي ليس مجتمعه! ليس هناك ما يربطه به. ولا وجهته هي وجهته، ولا أفكاره ومشاعره هي أفكاره ومشاعره، ولا قاعدة حياته هي قاعدة حياته.
إنه لم يعد من هذا المجتمع على وجه التأكيد.
لقد كان إلى ما قبل لحظة إيمانه جزءًا منه، مترابطًا ومتفاهمًا معه، يتكلمان لغة فكرية وشعورية وعقيدية وسلوكية واحدة. أما منذ تلك اللحظة فقد انقطع الخيط بينهما، ولم يعد بينهما لغة مشتركة تتفاهم بها المشاعر والقلوب.
لقد أنكر مجتمعه كما أنكر ذاته نفسها حين كانت قطعة من هذا المجتمع. لقد ولى وجهة جديدة، وأصبح له طريق جديد.. فما يلتقيان.
وهل كان له طريق من قبل؟
نعم. إذا اعتبرنا مجموعة الأفكار والمشاعر وأنماط السلوك اليومي "طريقًا" من أي نوع.. ولكنه الآن وقد وجد الطريق الحق لا يحس أنما كان له طريق! يحس أنه كان هائمًا على وجهه بغير وجهة. يحس أنه كان ضائعًا بغير غاية. يحس أنه لم يكن له وجود حقيقي إنما كان هو ذاته مجموعة من الأوهام لا يربطها كيان.