وأي شيء أخفى من السر؟! إلا خطرات القلب التي يكتمها صاحبها في قلبه، أو التي لا يدرك هو وجودها ومع ذلك يعلمها الله!
وحين تتغير الصورة فلا بد أن يتغير السلوك.
لقد كانت آلهة قائمة في حسه، يؤمن بوجودها فيتوجه إليها بلون من ألوان العبادة في صورة شعائر تعبدية أو صورة اتباع. واليوم انجابت عن حسه تلك الآلهة المزعومة ولم يعد في قلبه إلا الله. فلا توجه إذن لتلك الآلهة، والتوجه كله إلى الله، ولا شعائر تعبدية ولا اتباع. لقد خلا حسه تمامًا من أي شريك لله، في خلق أو رزق أو إحياء أو إماتة أو ضر أو نفع أو تدبير للأمر. ومن ثم فرغت من حسه كذلك كل التوجهات التي كان يتوجه بها إلى الشركاء. وحل محلها توجه واحد هائل شامل إلى الله، الذي يحبه ويخشاه.
ثم.. لقد أحس بحب هائل عميق لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي هداه إلى هذا الحق، والذي يأتيه بوحي السماء.
وإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لشخصية محببة في ذاتها، فقد صنعه الله على عينه، وجعله أكمل صورة لبشر في تاريخ الأرض. والعظمة دائمًا تحب, وتحاط من الناس بالإعجاب, ويلتف حولها المعجبون يلتصقون بها التصاقًا بدافع الإعجاب والحب. ولكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يضيف إلى عظمته المحببة تلك، أنه رسول الله، متلقي الوحي من الله، ومبلغه إلى الناس, وذلك بعد آخر له أثره في تكييف مشاعر ذلك المؤمن تجاهه. فهو لا يحبه لذاته فقط كما يحب العظماء من الناس، ولكن أيضًا لتلك النفحة الربانية التي تشمله من عند الله، فهو معه في حضرة الوحي الإلهي المبجل المكرم؛ ومن ثم يلتقي في شخص الرسول -صلى الله عليه وسلم- البشر العظيم والرسول العظيم، ويلتقي في حس المؤمن حب البشر العظيم والرسول العظيم, ثم يصبحان شيئًا واحدًا في النهاية، غير متميز البداية ولا النهاية. حب عميق شامل للرسول البشر أو للبشر الرسول. ويرتبط حب الله بحب رسوله ويمتزجان في نفسه، فيصبحان في مشاعره هما نقطة ارتكاز المشاعر كلها، ومحور الحركة الشعورية والسلوكية كلها كذلك.