الصحيحة.. لله. وبقية الأشياء تراجعت أو فقدت ميزانها البتة، ولم تعد هي المسيطرة على الوجدان.
وتغيرت الصورة.
لقد كانت صورة الوجود في حسه مبهمة غامضة غير ذات دلالة:
{نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} 1.
وهذه الأرباب المتعددة، كل منها يحكم جانبًا من هذا الكون حسب اختصاصه! ويحكم بالتالي جانبًا من القلب البشري!
والأمر فوضى أو قريب من الفوضى في الحس وفي الكون. لا رابط ولا ضابط. يستطيع الإنسان أن ينفلت كما يشاء. إلا من سلطان الأرباب المتسلطة: الأصنام والقبيلة وعرف الآباء والأجداد! وكل شيء يعمل، أو كل شيء ينقضي فقد انقضى بلا رجعة. أو إن كان هناك عقاب من الله وثواب، فهو في هذه الدنيا. ومن ثم فإن كان ذا مال وبنين فقد أكرمه الله -لطيبته- وإن كان قد قدر عليه رزقه فقد أهانه الله:
{فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ، وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ} 2.
تلك كانت الصورة.. ثم تغيرت الصورة.
إن الكون -كون الله- محكم التدبير لا يتم فيه شيء على الإطلاق إلا بقدر من الله، وتدبير ومشيئة. كل شيء محسوب بدقة معجزة. الليل والنهار. والشمس والقمر، والموت والحياة. والمال والبنون. والرزق المبسوط والرزق المقدور. لا شيء يحدث من تلقاء نفسه، ولا شيء يحدث فوضى بلا تدبير. ولا شيء يمضي بغير رجعة.. فكل شيء أحصاه الله في كتابه، ويخرج الكتاب يوم القيامة للناس فيحاسبهم بمقتضى ما سجل فيه من أعمال ومشاعر وأفكار، وهو المطلع على الأعمال والمشاعر والأفكار:
{يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} 3.