وحسب ونسب فهو في مركز من مراكز القيادة، وإن كان صفر اليدين فهو مجرد واحد من القطيع. اهتماماته هي اهتمامات هذا المجتمع الجاهلي: القبيلة ومفاخرها، و"أيامها" ذات الذكر، وهل باتت مغلوبة أم غالبة، وتجارته إن كان صاحب تجارة أو السعي على قوته إن كان من الفقراء المستضعفين في الأرض. وسهرة الليلة الماضية وسهرة الليلة إن كان من أصحاب السهرات.. أو هموم الليلة الماضية وهموم الليلة إن كان من أصحاب الهموم ... وهذه وتلك كلها في محيط الأرض ومحيط الحس القريب. والأرباب المختلفة ذات مطالب دائمة تشغل الحس وتؤرق النفس، أو في القليل تحفزها لأدائها: ربوبية الأصنام المعبودة، وربوبية القبيلة، وربوبية العرف الموروث من الآباء والأجداد، وربوبية الشهوات. كلها تتنازع نفسه وحسه، وتخضعه لها واعيًا أو غير واع.

ثم.. آمن.

أي انقلاب هائل حدث في نفسه لحظة إيمانه؟!

إنه -في الحق- أعظم انقلاب يمكن أن يحدث في القلب البشري.. بل في الكون كله!

إنه -لتوه- قد أزاح عن قلبه ربوبية كل الأرباب ... حين عرف رب الأرباب.

في لحظة أنجابت الغاشية، ورأى الأمر على حقيقته.. إنه لا وجود البتة لكل تلك الأرباب التي كانت تستعبده من قبل وتخضعه لسلطانها! إنها وهم هائل كان يعشش في نفسه وفي خياله، ويفعل فعله الكامل كأنه ذو وجود حقيقي، بينما هو في الحقيقة غير موجود!

وإله واحد هو الإله الحق، وهو صاحب هذا الكون كله، وصاحب الوجود الحقيقي بين كل هذه الأرباب المدعاة.

وفي لحظة.. لحظة الإيمان.. تنجاب من "خانة" العبادة في النفس كل تلك الآلهة المزيفة ويلقى بها في العدم، وتملأ الخانة في التو عبادة واحدة مشرقة مضيئة.. عبادة الله.

وتتغير محاور الثقل في داخل النفس., الثقل الأكبر أصبح الآن للعقيدة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015