فأين يذهب القلب البشري بعيدًا عن الله، وهو معه أينما كان، في صحوه ونومه، في يقظته وغفلته، في إقباله وإدباره، لا يغيب منه شيء عن علم الله الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض؟

أين يذهب من علمه الشامل ومن حسابه الشامل كذلك، وهو يحاسب على الصغيرة والكبيرة ويجزي بها في يوم القيامة.

{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} 1.

ذلك هو وجدان التقوى الذي يعمر قلوب المؤمنين.

ولكن القلب المؤمن وإن كان يخشى الله فهو يحبه في ذات الوقت:

{وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} 2. فالله هو الرءوف الرحيم. وهو الرب الودود الغفور. وهو الذي يرعى البشر ويهديهم إليه، ويرزقهم من الطيبات ويمنحهم من النعم ما لا يستطيعون أن يحصوه.

ومن خيطي الخشية والرجاء يتعلق القلب البشري المؤمن تعلقًا دائمًا بالله.. فيكون ذلك هو المعين الأول للتربية الإسلامية، وذلك هو الأثر المباشر لمصاحبة القرآن, وتدبر القرآن3.

فلنحاول أن نلقي نظرة في داخل قلب من تلك القلوب التي آمنت بالله، لنتعرف على مسار الإيمان في ذلك القلب، ونتعرف على آثار التربية الإسلامية فيه.

كيف صنعت العقيدة الصحيحة في ذلك القلب، وكيف أثرت في سلوكه العملي؟

لقد كان، قبل لحظات من إيمانه، فردًا من أفراد هذا المجتمع الجاهلي، يفكر بتفكيره، ويشعر بمشاعره، ويتصرف بمفاهيمه وعاداته وسلوكه, ويعطي نفسه مكانه فيه في القمة أو الحضيض بحسب دستوره وشريعته السائدة، وعلى مقتضى القواعد والقيم التي يضعها ذلك الدستور، فإن كان ذا مال وبنين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015