{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} 1.
{وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ} 2.
وكانوا يتصورون أن لله -سبحانه- بنات هن الملائكة.
وكانوا يتصورون أن بنات الله هؤلاء يتشفعن عنده لهم، وأن لهن كلمة عنده سبحانه مجابة!
وكانوا يتصورون أن الأصنام التي يعبدونها تقربهم إلى الله زلفى، وأنها تعلم الغيب، فيستشيرونها في الخروج والقعود، وأنها تضر وتنفع مع الله، وأنها تبارك الرزق والأولاد حين ترضى، وتمحقهما حين تغضب، ولذلك كانوا يسترضونها بالقرابين والنذور ...
وكل تلك أخطاء في التصور الاعتقادي ينبغي تصحيحها في نفوسهم لتستقيم عقيدتهم في الله.
ولكن الأمر ذا الدلالة كما قلنا أنه لم يتخذ معلوماتهم "الصحيحة" التي يعرفونها عن الله رصيدًا يكمل عليه، بل بدأ معهم من نقطة الصفر، بل الأكثر دلالة أن هذه المعلومات الصحيحة ذاتها هي التي أكد عليها القرآن تأكيدًا شديدًا, بما يوحي -كما قلنا- أنه يستنبتها من جديد، من بذرة جديدة تمامًا غير البذرة الفاسدة التي كانت
قد تعفنت في قلوبهم وصارت غير صالحة للاستنبات.
في دلالة ذلك على وجه التحديد؟
دلالته أن المعرفة "الذهنية" ليست هي المعرفة التي يريدها أو يعترف بها الإسلام. فإنها معرفة سطحية وميتة، لا تفعل شيئًا في واقع الحياة، ولا تؤثر شيئًا في سلوك الإنسان. وإذن فوجودها كعدم وجودها سواء. بل ينبغي أن تنتزع البذرة الفاسدة كلها بما بقي فيها من أجزاء سليمة، وتستنبت البذرة السوية كلها من جديد.