قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ، قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ، سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} 1.

فكيف إذن سماهم القرآن {الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} ؟ ولماذا بدأ معهم درس العقيدة من نقطة الصفر. بل بدأ بذات المعلومات التي سجل على العرب علمهم بها -ثم ألغاه من الحساب! - أنه هو سبحانه خالق السموات والأرض، وخالق الناس، وأنه المدبر، وأن بيده ملكوت كل شيء. وأنه يجير ولا يجار عليه!!

هذا أمر له دلالة ينبغي أن نتبينها ونحن بصدد الحديث عن منهج التربية الإسلامية؛ لكي لا تفوتنا هذه الدلالة.

لا بد أن يكون "العلم" الذي يتطلبه الإسلام بالألوهية نوعًا آخر غير العلم الذي كان في الجاهلية، الذي أثبته القرآن عليهم ثم نفاه، ووصف أصحابه بأنهم {الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} ثم حين بدأ يعلمهم حقيقة الألوهية لم يأخذ علمهم السابق رصيدًا يبني عليه, ويكمل ما كان ينقصه أو يصحح ما فيه من خطأ.

بل اعتبره غير موجود البتة، لأنه بدأ بذات المعلومات في تفصيل شديد يوحي بأنه يستنبتها في قلوبهم استنباتًا جديدًا ولا ينمي ما كان موجودًا منها بالفعل من قبل.

ما الفرق إذن بين أن يعرف العرب في الجاهلية أن الله هو الخالق، الذي خلقهم وخلق السموات والأرض، وبين أن يعرفوا في الإسلام أن الله هو الخالق، الذي خلقهم وخلق السموات والأرض؟!

الفارق في الحقيقة هو في "نوع المعرفة" وليس في "المعلومات"!

حقيقة إن معلوماتهم عن الله في الجاهلية كانت مشوهة وناقصة. فقد كانوا يستكثرون على قدرته -سبحانه- أن يحيي الموتى ويبعثهم من جديد، وكانت تلك من أعقد مشكلاتهم "الفكرية" في شأن هذا الدين!

{وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} 2.

{وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا} 3.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015