واتجاه الفطرة البشرية إلى خالقها بلون من ألوان العبادة مسألة فطرية كذلك لا تحتاج إلى نبي ولا رسول! 1 إنما الذي يحتاج دائمًا إلى الأنبياء والرسل هو تصحيح العقيدة. فإن الفطرة -إذا تركت وشأنها- كثيرًا ما تضل، فتتصور الله على غير حقيقته، وتشرك معه آلهة أخرى، وتتقدم له نتيجة لذلك بعبادة مشوهة، ليست هي ما يفرضه الله. فيجيء الأنبياء والرسل ليردوا الفطرة إلى سلامتها ويعطوها الدين القيم على حقيقته الربانية:

{فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} 2.

وكما جاء كل نبي من قبل ليقول للناس: {لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} ، {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} ، فكذلك جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقول نفس القولة الخالدة التي تمثل الحقيقة الأزلية: لا إله إلا الله, ويطلب من الناس أن يعبدوه وحده دون شريك.

والسور المكية كما قلنا لا تتناول إلا موضوع هذه العقيدة بكل ما يستلزمه الحديث فيها من تفصيلات. فينبغي أن نعلم من ذلك أن هذا هو حجر الأساس في التربية الإسلامية كلها، وفي الحياة الإسلامية كلها كذلك.

وهنا ينبغي لنا أن نقف وقفة عند ظاهرة ذات دلالة:

ألم يكن العرب في جاهليتهم يعرفون الله؟ ويعرفون أنه الخالق؟ وأنه المدبر؟ وأن بيده ملكوت كل شيء؟ وأنه يجير ولا يجار عليه؟

بلى! لقد سجل عليهم القرآن علمهم بذلك كله:

{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} 3.

{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} 4.

{قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ، سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ، قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، سَيَقُولُونَ لِلَّهِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015