علم وتقدم مادي، كالجاهلية اليونانية والجاهلية الرومانية والجاهلية الفرعونية ...

إنما كان أشد ما يشغلهم هو قول الشعر وحفظ الأنساب، والتفاخر والتهاجي بمعارك السلب والنهب والأحساب والأنساب. إلى جانب المشغلة بالحياة اليومية القريبة التي يشغل بها الناس في كل مكان.

لقد كانت تستعبدهم في الحقيقة أرباب أربعة، أو فئات أربع من الأرباب في آن واحد: ربوبية الأصنام المعبودة والجن والملائكة وغيرها من المعبودات التي يعبدونها لتقربهم إلى الله زلفى, أو لتشفع لهم عند الله، وربوبية القبلية، وربوبية العرف الموروث عن الآباء والأجداد، وربوبية الهوى والشهوات.. وهذا كله مع إدعاء العبادة -نظريًّا- لله، والمعرفة النظرية بأنه خالقهم وخالق الكون والحياة!

ومن هناك انتشلهم الإسلام ... ليحررهم من عبادة الأرباب إلى عبادة رب الأرباب. ومن عبادة بعضهم بعضًا إلى عبادة الله الواحد بلا شريك.

ومن عبادة الجبت والطاغوت إلى عبادة الإله الرحيم الكريم الذي يكرم عباده ولا يهين بشريتهم، وهو الذي كرمها وفضلها وجعل الإنسان خليفة ممكنًا في الأرض.

وليحررهم من الانحصار في الحياة الدنيا إلى الصورة الأكثر علوًّا وإشراقًا وامتدادًا وفسحة.. الدنيا والآخرة في عقيدة واحدة ونظام واحد.

ويحررهم من ظلم بعضهم بعضًا إلى عدالة الله الحكم العدل، بتحريرهم من شرائع البشر ومناهجههم إلى شريعة الله ومنهجه، يخضع لها الجميع في وقت واحد وبدرجة واحدة.

جاء، كما لخص ربعي بن عامر الموقف في كلمات بليغة في مواجهة رستم قائد الفرس، حين قال له رستم: ماذا جاء بكم؟ فقال: الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام.

جاء لينشئهم من جديد ... في مولد جديد للإنسان.

كيف صنع الإسلام بهم ما صنع في تلك الفترة الوجيزة؟

إن الفارق بين حالهم في الجاهلية وحالهم في الإسلام هو ولا شك حصيلة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015