{وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ} 1.
هو عبادة الجبت والطاغوت بتعبير القرآن، وهو كل شيء أو شخص أو عرف أو وضع أو سلطة أو شرع يستعبد الإنسان بغير إذن من الله، ويطلب من الناس الطاعة -أو يمارس الناس له الطاعة- مخالفين بطاعته أوامر الله.
ويهمنا على أي حال أن ندرس مظاهر الجاهلية العربية؛ لنعلم كيف فعل منهج التربية الإسلامية في إزالتها، لنعرف طريقته العامة في إزالة انحرافات الفطرة، لكي نستخدمها في إزالة انحرافات المجتمع الحالي، وإن خالفت انحرافات المجتمع العربي الجاهلي في تفصيلاتها.
نعم، يهمنا أن ندرس مظاهر الجاهلية العربية لنعرف طريقة علاجها في المنهج الرباني ... ولكن ينبغي أن نجعل في بالنا أنها مجرد مظاهر، وأن الجوهر الحقيقي للجاهلية هو عبادة الجبت والطاغوت.. هو الجهل بحقيقة الألوهية، ورفض إخلاص العبودية لله، بما يستتبعه حتمًا من اتخاذ مناهج غير منهج الله، وعدم التحاكم إلى ما أنزل الله.
كان العرب إلى الجانب عبادتهم للأصنام وغيرها من المعبودات كالجن والملائكة.. إلخ، يضيفون جهالة أخرى تتمثل في عدم الإيمان باليوم الآخر.
وكانوا يتعجبون ممن يدعوهم إلى الإيمان به ويعجبون به:
{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ، أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ} ؟! 2.
وكان من آثار ذلك في حياتهم ما لا بد أن يكون في كل جاهلية لا تؤمن باليوم الآخر: الإحساس بقصر الحياة، وأنها فرصة وحيدة إن لم يهتبلها الإنسان فقد فاتته بغير رجعه، فينكب على الملذات لا يبالي الحرام منها وغير الحرام.. أو ترخص الحياة في حسها فيستهتر بها؛ وقد يجتمعان معًا كما في بيت طرفة بن العبد:
ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى
وأن أشهد اللذات. هل أنت مخلدي؟!