بجوهرها المشترك بينها جميعًا بصرف النظر عن سماتها الخاصة التي قد تتغير من بيئة إلى بيئة ومن جيل إلى جيل.
وإذا أردنا التعرف على جوهر الجاهلية فلنرجع إلى كتاب الله، فإن اللفظة ذاتها لم تستخدم في اللغة قبل نزولها في القرآن، وإن كان أصلها موجودًا ومستخدمًا في أشعار العرب من قبل كقول الشاعر:
ونجهل مثل جهل الجاهلينا
أما صيغة "الفاعلية" "جاهلية" فقد وردت أول ما وردت في القرآن الكريم.
وحين نتتبع المواضع التي ذكرت فيها الجاهلية ومشتقاتها ومرادفها: {الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} , فسنجد أنها جاءت في معنى من معنيين؛ يشكلان معًا حقيقة الجاهلية وهما: الجهل بحقيقة الألوهية، والجهل بما ينبغي تجاه الله سبحانه وتعالى من خالص الطاعة والعبودية، أو بعبارة أخرى مخالفة منهج الله، والحكم بغير ما أنزل الله.
فمن أمثلة الجهل بحقيقة الألوهية:
{وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرائيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} 1.
ومن أمثلة الجهل الثاني:
{قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ} 2.
{أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} 3.
من هنا يتبين أن مظاهر الجاهلية ليست هي في ذاتها محور الثقل -وإن كان لها وزنها واعتبارها في عملية التحول من الجاهلية إلى الإسلام- وإنما محور الثقل هو جوهر الجاهلية الذي هو الشرك بشعبتيه: شرك الاعتقاد وشرك الاتِّباع: أحدهما أو كلاهما سواء: