الْكِتَابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} ؟! 1.
ولكن هذا العنصر بالذات هو اليوم في صالحنا، كما لم يكن قط من قبل! لقد دار الزمن دورته وعاد الإسلام غريبًا كما بدأ، كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
"بدأ الإسلام غريبًا، وسيعود غريبًا كما بدأ، فطوبى للغرباء" 2.
هذه الغربة تجعل محاولة العودة كأنها جولة جديدة. جديدة كالجولة الأولى أو أقرب شيء إليها. وسيتوفر لها عنصر الجدة كما لم يتوفر من قبل، فيكون حافزًا لها على بلوغ القمة كما لم يحدث من قبل.
وإذن فبين أيدينا اليوم من عناصر التربية الإسلامية -الدائمة والعارضة- ما يجعلنا نتوقع ميلادًا جديدًا لمجتمع إسلامي فائق التكوين.
وحين ندرس حياة تلك الجماعة المسلمة الأولى فينبغي أن نبدأ دراستنا من الجاهلية، لنعرف مدى التغير الذي حدث بتأثير التربية الإسلامية، ونقدره حق قدره كما أشار عمر رضي الله عنه حين قال: "لا يعرف الإسلام من لم يعرف الجاهلية" لنعرف أهو مجرد تعديل لحياة الجاهلية في بعض جوانبها، أم نشأة جديدة ومولد جديد.
وكتب التاريخ المتداولة بين أيدينا قد لا تعطينا صورة حقيقية للجاهلية، إما جهلًا بحقيقة الجاهلية، وإما تحريفًا مقصودًا لغاية في نفوس واضعيها3.
فهي غالبًا ما تعطينا "صورة" الجاهلية العربية على أنها هي "جوهر" الجاهلية.
فتجعل الجاهلية محصورة في: عبادة الأصنام ووأد البنات وشرب الخمر ولعب الميسر وغارات السلب والنهب.. إلى مثل ذلك من مظاهر الجاهلية التي قد توجد بذاتها في أي جاهلية وقد لا توجد، ومع ذلك تظل الجاهلية جاهلية.