تتطلع إليه الأجيال وتحاول أن تعيده في عالم الواقع. فإن أفلحت في أي جيل أو أي قرن، فهو الخير للبشرية كلها بغير نزاع. وإلا فالمحاولة في ذاتها خير، لأنها سترفع كل إنسان إلى أقصى حدود طاقته الذاتية، فلا تظل في نفسه فضلة من خير محبوسة عن العمل أو محجوزة عن النماء.

وهكذا تظل القدوة قائمة في جماعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وإن لم يتكرر مثالها على مدى التاريخ.

ونحن مطالبون بدراسة وافية لتلك الجماعة الأولى تفسر لنا أسرار عظمتها، وبلوغها ما بلغت إليه من قمم شامخة في كل مجال خاضته. فهي -قبل كل شيء- جماعة من البشر. بل جماعة من البشر من أمة كانوا غارقين في الجاهلية إلى آذانهم، وقاوموا دعوة الخير مقاومة عنيدة لأنهم قوم لد الخصومة كما وصفهم القرآن.

{فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّ} 1.

{مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} 2.

فكيف استطاعت جماعة بهذا الوصف أن تصل إلى تلك الآفاق؟! وما العناصر التي تكونت منها تلك العظمة الفائقة؟ وهل هي عناصر "طبيعية" بشرية، أم إن فيها عنصرًا خارقًا غير قابل للتكرار؟!

وماذا نملك نحن -ونحن جماعة من البشر كذلك- ماذا نملك من العناصر التي كونت هذه الأمة، وماذا نفتقد، لنعلم المدى المتوقع لنا في النجاح أو الفشل في بلوغ الغاية التي نريد؟

تلك الدراسة الوافية ضرورية لنا ضرورة كاملة, ونحن نحاول تجميع عناصر التربية الإسلامية، فتلك الجماعة هي التي طبقت أو طبقت فيها التربية الإسلامية بتمامها كله، فلن نجد إذن خيرًا منها لتجميع العناصر المطلوبة، ولن نجد خيرًا منها صورة تطبيقية لهذه العناصر. وذلك أمر له أهمية مضاعفة، فليس يكفي -في أمور التربية- أن نعرف العنصر ذاته في صورته النظرية المجردة، إنما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015