الجماعة الأولى هي الجماعة التي رباها الرسول صلى الله عليه وسلم على عينه، ومنحها كل جهده ورعايته وتوجيهه، والتي اجتمعت لها عناصر التربية الإسلامية بكل تمامها، على يد أعظم مرب في التاريخ.
وإنها لهي المقصودة أولًا بقوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} 1.
ولقد كانت خير أمة في تاريخ البشرية كله. وحوت من ألوان العظمة في كل اتجاه ما لم يجتمع لأمة أخرى في التاريخ, بهذه الوفرة, وذلك التعدد, وتلك الآفاق: عظمات حربية وعظمات سياسية وإدارية وعظمات نفسية وعظمات روحية.. عظمات من كل نوع، وفي فترة وجيزة من عمر الزمن كأنها لحظات!
وتلك الأمة هي التي وضعت أسس التاريخ الإسلامي المقبل كله, ورسخت قواعده في الأرض، بما قدمت من مبادئ وقيم ومثل عليا مطبقة في عالم الواقع بصورة فريدة في التاريخ، صورة يلتقي فيها المثال والواقع، فلا تكاد تعرف من روعة العظمة المذهلة أيهما الواقع وأيهما المثال!
ولقد كان ذلك كله هو الثمرة الجنية للتربية الإسلامية في أعلى صورها، على يد أعظم مرب في التاريخ.
وإذا كان الواقع التاريخي الإسلامي لم يشهد تكرار ذلك النموذج الرفيع بصورته تلك إلا في نماذج فردية على مدار الأجيال، بينما كانت تلك النماذج محتشدة في الجماعة الأولى احتشادًا فذًّا؛ جعل المؤرخين الأوائل يشيرون إلى معظمها مجرد إشارة عابرة. كأنما هي ظاهرة عامة لا تحتاج إلى إشادة ولا حديث خاص! فستظل هذه الجماعة على الرغم من ذلك هي النموذج الذي