المجلد الثاني

مقدمة

...

مقدمة:

من بديهيات الإسلام أن يكون الناس مسلمين، وأن يتربوا تربية إسلامية! ومع بداهة هذه القضية فإنها توشك أن تكون مجهولة في مجتمعاتنا الجاهلية المعاصرة، أو هي على الأقل قضية مبهمة عائمة ليس لها مدلول محدد واضح السمات. وأقصى ما يمكن أن تعنيه في حس أكثر الناس -سواء عملوا بها أو لم يعملوا، وسواء كانوا راغبين فيها أو راغبين عنها- هو أن يكون الإنسان "متدينًا" أي: يصلي ويصوم ويؤدي الفرائض، وأن يكون مستقيم الأخلاق.

ولا شك أن هذا من الإسلام، ولكنه على وجه التأكيد ليس كل الإسلام. وإنما انحسرت الصورة وانحصرت في تلك المعاني؛ لأن الإسلام ذاته قد انحسر في واقع المحتمع وفي وجدان الناس، فلم يعد له شموله وتكامله الذي أنزله الله به، ولم يعد يحكم من حياتهم -حين يحكم منها شيئًا على الإطلاق- إلا ذلك الجانب المحدود، الذي هو أقرب أن يكون مزاولة فردية للإسلام، لا تؤثر في خط سير المجتمع، ولا تحكم واقعه المتعدد الجوانب المتشابك العلاقات.

ولا شك أن هذه المزاولة الفردية للإسلام، وفي هذه الجوانب المحدودة من الحياة، ليست هي الإسلام الذي تربت عليه الأجيال الأولى من المسلمين، فكان منهم تلك الأمة الفريدة التي وصفها الخالق سبحانه بقوله: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} 1 والتي كتبت من فصول التاريخ المجيدة ما لم يتيسر لأمة أخرى في التاريخ.

بل إن كونها -فضلًا عن ذلك- مزاولة محدودة في نطاق ضيق من المجتمع، ليست هي الأصل فيه، وليست هي الغالبة عليه، وإنما هي سلوك القلة القليلة منه، التي ما تزال ترتبط بالإسلام بنوع من الرباط.. إن هذا لهو الذي انحدر بتلك الأمة من أن تكون {خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} إلى أن تكون ذلك الغثاء

طور بواسطة نورين ميديا © 2015