وهو واقعي في ذلك إلى أبعد الحدود.
ولكنه في واقعيته يختلف عن النظم "الواقعية" الأخرى التي عرفتها البشرية في العصر الحديث خاصة.
إنه يشمل الواقع الأكبر للفطرة البشرية لا الواقع الصغير المحدود.
الواقع الأكبر الذي يعمل حساب قدرة الإنسان على الرفعة كما يعرف استعداده للهبوط.
إنه لا يصنع كما تصنع بعض المذاهب الواقعية، التي أخذت عن دارون وماركس وفرويد إيمانها بحيوانية الإنسان وماديته1، فيقول: ما دام الإنسان يحمل هذا الاستعداد الدائم للهبوط مهما حاولنا أن نرفعه، فلنكف إذن عن المحاولة ولنتركه يهبط حتى يقر على القرار!
كلا! إنه لن يقر على القرار أبدًا. سيهبط ويهبط ويهبط على الدوام! سيهبط إلى بشاعة يتعفف عنها حتى ذلك الحيوان الذي رد دارون الإنسان إليه وتبعه ماركس في عالم الاقتصاد وفرويد في عالم المشاعر النفسية.
سيهبط لأنك تجذبه من خيط الهبوط دائمًا ولا تهتف إليه من طريق الصعود.
تلك واقعية الحيوان، التي هبطت بالإنسان في العالم الحديث إلى ما تحت مستوى الحيوان.
أما الواقعية النظيفة التي يمارسها الإسلام، فهي التي تحسب حساب الإنسان في مجموعه، بكل طاقاته واستعداداته، فتهتف له دائمًا من طريق الصعود، لأنه ليس في حاجة لمن يهتف له من طريق الهبوط! وتحسب حساب الإنسان الفرد فتكلفه المحاولة الدائمة لبلوغ الكمال الذي يستطيعه هو، وهو بفطرته يستطيع الكثير ... متى كان هدفه هو بلوغ الكمال.
والإنسان في نظر هذه الواقعية كائن ليس بالملاك ولا بالشيطان، ولكنه قادر على الصعود إلى نظافة الملائكة، وقادر على الهبوط إلى دنس الشيطان.
والطريق الواقعي لتربيته ومعالجته، وهو رسم الصورة المتكاملة أمامه، وتدريبه دائمًا على الصعود إليها والدنو منها، بكل طريق ممكن، وكل جهد مستطاع.