على الناس أن يصلوا إلى تلك القمة الشامخة التي لم يصل إليها أحد في تاريخ البشرية كله، من الأنبياء وغير الأنبياء، فإنهم بالأسوة الحسنة في شخصه صلى الله عليه وسلم يستطيعون -في بعض جوانبهم على الأقل، وفي حدود ما وهب الله لهم من طاقة- أن يقتربوا من هذه القمة الشامخة درجات من الاقتراب. وهذا هو المستوى الأعلى الذي تحقق فعلًا على نطاق غير ضيق ... في أشخاص الصحابة والتابعين، وفي أشخاص متناثرين على مدار التاريخ.
وإذن فهذا المستوى الأعلى ممكن في هذه الحدود.
وكل درجة يقتربها الإنسان من هذه القمة الشامخة فهي عظمة تحسب له في ميزان الله, وميزان البشر على السواء.
كل قوة في الحق. كل تضحية في سبيل الله. كل صدق وأمانة وإخلاص واستقامة. كل رحمة شفيفة. كل مودة وحب. كل عمل للخير. كل حس مرهف, وسلوك مهذب. كل قوة حيوية دافعة. كلها، ما دامت مخلصة لله، تحسب في ميزان العظمة ويكتب لها البقاء.
وتلك ثمرة التربية الإسلامية في واقع الأرض.
وفي التاريخ أمثلة لا تعد لهذه العظمات النفسية التي رباها الإسلام1.
كانت أبرزها تلك الفترة التي انطلقت فيها الأمة الإسلامية الناشئة المصنوعة على عين الله ورعاية رسوله، تعمل في كل ميدان، وتكتب العظمات في كل صفحة من صفحات الحياة. ثم قلت النماذج شيئًا ولكنها لم تنقطع قط عن الوجود، في كل صحوة من إغفاءه، وكل هبة من انتكاس.
أولئك الذين حققوا المثال.
حققوه بقدر ما وهب الله لهم من طاقة، وبقدر ما استطاعوا أن يبذلوه من مجهود.
وتلك قيمة المنهج الذي يرسم الصورة المتكاملة ويعرضها أمام الناس.
إنه ليس خياليًّا ولا مثاليًّا ولا منقطعًا عن واقع الأرض.
بل إنه على العكس من ذلك واقعي في الصميم.