الباب الحادي عشر: بين الواقع والمثال

نظم التربية كلها -والتربية الإسلامية من بينها- متهمة بأنها ترسم نماذج مثالية خيالية لا تتحقق في عالم الواقع، لأنها غير قابلة للتحقيق.

وفي ظاهر الأمر يبدو في ذلك شيء من الحق، ولكنه عند التدقيق لا يلبث أن يزول.

إن مهمة كل منهج من مناهج التربية أن يرسم الصورة الصحيحة التي "ينبغي" أن تكون، والتي يرجع إليها دائمًا في تصحيح الأوضاع وضبط المقاييس. وبغير هذه الصورة المتكاملة لا يمكن أن نعرف بالضبط كم قطعنا من الشوط، وكم بقي في الطريق، لنقيس الجهد الذي ينبغي أن يبذل، ونقيس طاقتنا إلى هذا الجهد المطلوب.

كل المطلوب من منهج التربية ألا تكون الصورة التي يرسمها خارجة عن حدود الطاقة، ممتنعة على التحقيق. وألا تكون موضوعة في الوقت ذاته على صورة قالب محدود على سبيل الإلزام، بحيث يصبح الإنسان ضائعًا إذا لم يصل إلى الصورة المحدودة والقالب المطلوب.

وهذا وذاك لا يوجدان في منهج الإسلام.

لا الصورة المتكاملة مستحيلة التطبيق. ولا هي مرسومة في قالب معين على سبيل الفرض والإلزام!

الصورة المتكاملة وجدت بالفعل في واقع الأرض، متمثلة في رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومحمد رسول الله بشر.. يحمل كل طبائع البشر.

ولا نقصد بذلك أن أحدًا من البشر سيصل به التهذيب القرآني أن يصبح محمد بن عبد الله.

ولكننا نقصد فقط أن القدوة به قائمة في حدود أنه بشر. وأنه إذا استحال

طور بواسطة نورين ميديا © 2015