عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا، وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} 1.
والمستعلي على هذا النحو، لا يصعر خده للناس ولا يمشي في الأرض مرحًا، فذلك صغار هو يستعلي عنه! إنما يحترمه الناس ويقدرونه من تلقاء أنفسهم لأنهم يحسون أن بداخله "حقيقة" صلبة، لا خواء ولا نفخة فارغة.
نعم. هو في استعلائه لا يحتقر الناس. فليس من سمات الإنسان المؤمن -وهو الإنسان الصالح- أن يحتقر الآخرين.. إلا أن يكونوا ينالونه بالأذى فهو يرد عن نفسه بأن يظهر لهم الاحتقار. وإذا كان الله قد صرح للمظلوم أن يجهر بالسوء من القول وهو لا يحبه: {لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} 2, فهو كذلك يبيح رد عدوان الحقراء باحتقارهم وإظهار الاستعلاء عليهم: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا} 3.
ولكن الإنسان الصالح -في غير هذا- شخص إنساني النزعة. يفيض قلبه بالعطف على بني الإنسان، بكل ما فيهم من ضعف بشري، وكل ما فيهم من طمع وجشع ولجاجة وغرور!
إنه يتذكر وحدة المنشأ: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} 4 ويتذكر أخوته لهذا البشر. ويتذكر أن يجاهد نفسه فتغلبه أحيانًا ويخضع لضرورة قاهرة.. فيدركه العطف على الناس، والاعتذار لهم عما يرتكبونه من هفوات: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} 5.
وهو إنساني النزعة يحب للناس الخير، ويحس نحوهم بالرحمة ولو كان لا يعرفهم ولا تربطهم به قرابة أو صحبة. إنساني النزعة يعمل طاقته لينفع، وليصيب النفع أكبر عدد من الناس:
"إن من نفس ابن آدم إلا عليها صدقة في كل يوم طلعت فيه الشمس".