مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} 1. فهم الأعلون حتى وهم منكسرون في الحرب. بل هم الأعلون منذ أول لحظة يدخل الإيمان في قلوبهم، وعدوهم ظاهر في الأرض ومستحوذ على كل نصيب.
هذا الاستعلاء من أبرز سمات الإنسان المؤمن -وهو الإنسان الصالح- يصاحبه في كل موقف من مواقف حياته، فيملي عليه السلوك الذي ينبغي عليه أن يسلكه.
هو في وجه الظلم والعدوان مستعل، ولو كان في موقف الهزيمة. لأنه لا يستمد استعلاءه من النصر فتفقده الهزيمة إياه. وإنما يستمده من الإيمان بالله والاتصال به، ومن ثم لايفقده في الهزيمة ويسترده في النصر، بل هو كامن في داخل نفسه، مصاحب لها في كل حال.
هو في وجه المغريات مستعل ولو كان في حاجة. لأنه لا ينبغي له -وهو المؤمن المتصل بالله- أن يحيد عن منهج الله ويخالف عن دستوره، من أجل كسب مهما يكن من عظمه فهو حقير، ومهما يكن من كثرته فهو زائل، ويبقى الله، وحساب الله: {وَلا تَمُدَّنَ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} 2.
وهو في وجه الشهوات مستعل ولو أحس بلذعها في أعصابه. لأنه -وهو المؤمن المتصل بالله- أكرم عند الله وعند نفسه من أن يذل لشهوة تدنسه وتمرغه في الوحل، من أجل متعة عابرة لن تغنيه، وسيجد أطيب منها في الحلال ويجد أطيب منها دائمًا عند الله: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} 3.
وهو في وجه القيم الزائفة مستعل؛ لأنه يملك القيم الحقيقية المستمدة من الله ومنهج الله، فلا تزلزله قيم زائفة من صنع البشر، لا ترفع ولا تخفض إلا في ظاهر الأمر، ولا يمكن أن تفرض نفسها على مشاعر المستعز بالله والمستعز بنفسه وقيمه، لأنها لا تساوي شيئًا في ميزانه، ولا تغير حقائق الأشياء: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ