{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} . {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} 1.
"الحياء من الإيمان" 2.
نعم. نحن أمام شخص تشع التقوى من وجهه، ويبدو في قسماته الخشوع، ويتسم في حركاته وفي حديثه بالهدوء والوداعة والحياء.
ولكن. لا! لا يخدعك هدوءه ذلك ورقته واستحياؤه فتظن به الضعف! إنه لا يضعف ولا يخشع ولا يحني هامته إلى الأرض ساجدًا. إلا لله. وحده لا شريك له. أما ما عدا ذلك فهو قوي قوي. صلب العود. شديد المراس، متين.
اختبر هدوءه ذلك ورقته في أن تحاول العدوان على شيء من مقدساته! عند ذلك تبرز لك السمة الأخرى المتممة للأولى:
{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} 3.
نعم. لا تمنع الشدة الرحمة. ولا تمنع الرحمة الشدة. هذه في موضع وتلك في موضع. وكلاهما صواب.
إنها ليست الرقة المطلقة والرحمة في كل مناسبة ومع كل شخص.
وهي كذلك ليست الشدة الجافية التي تسم الطبع كله بالغلظ والجفاء.
وإنما هي المرونة الحية التي تقدر على مواجهة كل موقف بما يليق، والتي تملك في داخلها طاقة للرحمة وطاقة للشدة، تستمد منهما بحرية حين تشاء.
كان التوجيه للرسول صلى الله عليه وسلم بالنسبة لكفار والمنافقين:
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} 4.
وفي الوقت ذاته كان التوجيه إليه بالنسبة للمؤمنين: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} 5.
فالغلظة على الكفار ليست عن غلظة في الطبع وفضاظة. فهاتان الصفتان البغيضتان ينفيهما الله سبحانه عن رسوله صلى الله عليه وسلم. وإنما كانت