لحظة الروح الخالصة.. أروع لحظة على ظهر الأرض في تاريخها كله, أرفع إشراقة لأعظم روح. لحظة الوحي الذي تنزل على محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأضاء روحه الصافية وأضاء وجه الأرض كله كما لم يضئ قط. هذه اللحظة لم تكن لحظة روح خالصة!

{لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ، إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} 1!

حتى في تلك اللحظة "الخالصة" تحرك اللسان وهتف هاتف من هواتف النفس، حرصًا على حفظ القرآن أن يذهب من الذاكرة. تحرك الجسم وتحرك العقل في أروع لحظة وأرفع إشراقة لأعظم روح.

ولحظة التفكير الخالصة التي يسهو فيها الإنسان عن جسمه وروحه، لا تنسيه جسمه في الواقع إلا نسيانًا ظاهريًا، لأنه في تلك اللحظة ساكن أو مستريح، ولو أحس بالألم في أي جزء من جسمه، لو أحس بالصداع أو أحس بالجوع أو أحس بالعطش لجسمه المهجور!

ولحظة الجسد الخالصة التي ينسى فيها الإنسان عقله وتركبه الشهوة الجارفة، ليست طويلة الأمد كما قد يخيل لصاحبها, وهو منهمك في طعام شهي أوشراب شهي أو متاع لذيذ. وهي فوق ذلك ليست خالصة إلا من الظاهر، فالعقل ساكت لأنه ساكن أو مستريح. ولو خطرت للإنسان فكرة مزعجة أو ذكرى غائبة لأيقظته من متاعه "الخالص" ولتغير إحساسه في متاعه لحظات.

كل ما يحدث أن لحظة من اللحظات يغلب عليها لون معين من المشاعر، أو يبرز فيها جانب معين من الإنسان. ولكنه لا ينفصل قط عن ترابطه مع بقية الكيان البشري، ولا يستقل بعيدًا عنها في اتجاه.

وكما يتصل الكيان النفسي الداخلي بعضه ببعض, حتى مع غلبة جانب من الجوانب في بعض اللحظات،

فكذلك يتصل الكيان الخارجي في واقع الحياة. لا يوجد عمل واحد من أعمال الإنسان منفصلًا في حقيقته عن بقية الأعمال، وإن بدا من الظاهر كذلك، أو ظهر غالبًا في بعض الأحيان.

حياة الإنسان المادية لا تنفصل عن حياته العقلية وحياته الروحية.

ومشاعره الروحيه لا تنفصل عن واقعه المادي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015