آمنت بأن هذا الجانب هو الجوهر الحق. وكل ما عداه خداع لا يثبت على حقيقة. زبد يذهب جفاء.

وراحت تغذي الروح بما ترى أنه غذاؤها الحق.

راحت تتعبد وتتنسك، وترفع الإنسان على ضرورات جسده كلها، وتقهر هذا الجسد لأنه دنس لا تنبغي إطاعته، ورجس لا ينبغي له أن يكون.

واستمتع الناس بحياة الروح. سبحوا في ملكوتها الطليق من أوهاق الضرورة، النظيف من أدران الشهوات, وحلقوا في آفاق عليا من الأفكار والمشاعر جميلة كالأحلام. ثم تمرد الجسد المكبوت على خلق الفطرة، وكفر الناس بمتاع الروح. أو أصابتهم السلبية الخاملة التي لا تنتج شيئًا في واقع الأرض، لا تنشئ ولا تعمر، ولا تهدم ولا تبني، ولا تغير الباطل ولا تقيم الصحيح من الأوضاع.

كلاهما انحراف عن السبيل.

كلاهما ينحرف بالإنسان عن الخلافة الحقة التي أرادها له خالقه يوم قال: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} . الخلافة الراشدة العاملة بفطرة الله ومنهج الله.

والإسلام يجمع هذه وتلك، ولا ينحرف كما تنحرف هذه وتلك.

الإسلام يؤمن من الكائن الإنساني بما تدركه الحواس، وبما يقع خارج نطاق الحواس.

يؤمن بكيانه المادي المحسوس وأنه قبضة من طين الأرض: {إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِين} 1.

يؤمن بما لهذا الكيان المحسوس من مطالب، ويؤمن بما فيه من طاقات.

ويعترف بهذا الكيان اعترافًا كاملًا لا يغض شيئًا من قيمته، ولا يهدر شيئًا من طاقاته.

ييستجيب لحاجاته ومطالبه، فيوفر له المأكل والملبس والمسكن والجنس، ونصيبه من المتاع. ويجند طاقاته لتعمل في تعمير الأرض وإنشاء النظم وتشييد الحضارات.

وفي الوقت ذاته يؤمن بالكيان الروحي للإنسان، يؤمن بأن فيه نفخة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015