والإسلام دين الفطرة. فما من نظام يعالج الفطرة كما يعالجها الإسلام، أو يستخلص من هذه الفطرة بعد تهذيبها وضبط إيقاعاتها ما يستخلصه الإسلام. إنه لا يعطي كل جانب من الإنسان غذاءه فحسب, بل يعطيه إياه كذلك بالقدر المضبوط الذي لا يجيعه ولا يتخمه، ومن ثم ينطلق الإنسان وقد أخذ حظه من الغذاء الصالح، بمقاديره الصالحة، نشيطًا منتجًا متحركًا على الدوام.

وما من نظام آخر يعالج النفس البشرية بهذه الدقة وذلك الشمول.

هناك نظم آمنت بجانب واحد من الكيان البشري فراحت تعمل على تغذيته بما تراه صالحًا له.

نظم آمنت بالجانب المحسوس من الإنسان والحياة. كل ما تدركه الحواس فهو حقيقة. وما لا تدركه فهو غير موجود، أو ساقط من الحساب. ومن ثم راحت هذه النظم تهتم بكل محسوس على الأرض: الزراعة والصناعة والبناء والتشييد والإنتاج المادي على أوسع نطاق. وتهتم بكل محسوس في الكيان البشري، فحاولت أن تيسر له مأكله وملبسه ومسكنه، ويسرت له قضاء الشهوات.

ثم أغفلت من كيانه جانب الروح.

أهملت كل ما لا تدركه الحواس. أهملت الله والعقيدة، وما يشع من العقيدة من مثل وأخلاق.

وكانت النتيجة أن استمتع الناس بحياتهم الأرضية أعظم متاع، واستفادوا بالتنظيمات من كل نوع: التنظيمات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والمادية, ثم انهار المتاع كله نتيجة خواء الروح من الإيمان وخواء الحياة من العقيدة. وانقلب المتاع السهل الحلو إلى تكالب على شهوات الأرض يقض المضجع ويكدر الحياة، ويجعلها سباقًا دائمًا لا ينقطع ولا يترك فرصة للراحة: راحة الجسد أو النفس أو الضمير. تزايد الصراع فما عاد صراعًا في باطن النفس، ولا صراع فرد مع أفراد، أو صراع جماعة مع جماعة. وإنما أصبح صراع نفوس وأفراد وجماعات ودول وجيوش وطائرات وصواريخ. ودمار رهيب يهدد وجه الأرض.

ونظم آمنت بالجانب الروحي من الإنسان.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015