9 - التنبيه على فوائد الخلاف: الخلاف الأصولي إما أن يكون لفظياً بحيث لا يترتب عليه شيء، وإنّما هو من باب زيادة التدقيق والتحقيق، وهذا من تأثير علم الكلام، وإما أن يكون أصلياً متجذراً بحيث يكون له أثر عملي، والإمام تاج الدين كان يوضح في أكثر المسائل الأصولية فائدة الخلاف فيها إن كان الخلاف حقيقياً وليس لفظياً، فمن ذلك:
قوله في مسألة إذا نسخ الوجوب بقي الجواز بعد أن ذكر خلاف الغزالي فيها: ((ويظهر فائدة الخلاف فيما إذا كان الحال قبل الوجوب تحريماً، فعند الغزالي الفعل الآن يعود محرماً كما كان، وعند القوم أنّ مطلق الجواز الذي كان داخلاً في ضمن الوجوب باق يصادم ما دل على التحريم، فَوَضُح أنّ الخلاف معنوي.)) (?)
هذه أهم الميزات التي امتاز بها شرح التاج السبكي ((للمنهاج)) والتي جعلت ((الإبهاج)) في مقدمة شروح ((المنهاج)) التي عليها الاعتماد وإن كان ((الإبهاج)) لم يَلقَ من الشهرة ما لقيه شرح معاصره الإسنوي، فذلك لأنّ شرح الإسنوي كان مقرراً لطلاب الدراسات الشرعية في الأزهر بخلاف ((الإبهاج))، هذا بالإضافة إلى طول شرح التاج وغزارة مسائله في الكتاب، بخلاف شرح الإسنوي فهو أولاً شرح مختصر وثانياً كان أكثر تركيزه على بيان المسألة المطروحة دون الزيادة عليها والله تعالى أعلم.
رغم كثرة الميزات التي امتاز بها شرح التاج السبكي ((للمنهاج)) إلا أنّه ـ شأنه شأن كل ما يصدر من البشر ـ توجد عليه بعض الملاحظات التي لا تقلل من أهميته شيئاً، ومنها:
1 - أنّه لم يلتزم منهجاً واحداً في عرض المسائل المطروحة؛ إذ وجدته مرة يبدأ ببيان المسألة وتفصيلها ومن ثمّ يُعرّج على شرح كلام صاحب المتن، وأحياناً أخرى يعكس الأمر فيشرح المتن ثمّ يعرّج ويزيد المسألة توضيحاً وبياناً، انظر على سبيل المثال الصفحات التالية (3/ 26، 91، 116).
2 - ذكره مسائل لا علاقة لها بالشرح؛ فكثيراً ما كان التاج السبكي يذكر فوائد وغرائب في نهاية المسألة مع أنّها لا علاقة لها بموضوع الشرح، انظر مثال ذلك في الصفحات التالية (2/ 173، 222، 237، 353).
3 - مما يؤخذ عليه أيضاً كثرة إيراد الاعتراضات ومناقشتها، وأحياناً يذكر بعض الاعتراضات ولا يردُّها؛ مما جعل في هذا الشرح صعوبة يحتاج الناظر فيه إلى مزيد نظر وتدبر لتفهمه وحل ألفاظه.
4 - إنّ التاج السبكي لم يُبَيّن لنا في كثير من المواضع رأيه في المسائل المختلف فيها في هذا الشرح؛ وإن كان قد نبه على بعضها، غير أنّ السمة البارزة عليه هي أنّه كان شارحاً ولم يكن ذابّاً عن آرائه وأفكاره، لذلك لا يستطيع الباحث معرفة رأي ابن السبكي من خلال هذا الشرح إلا بعد التأمل فيه جيداً.
من المعلوم المقرَّر أنّ قيمة أيِّ مصنَّفٍ ما إنّما تنبعُ من غنى هذا المصنَّف بالمصادر التي اعتمد عليها، ومن قيمة هذه المصادر العلمية إذ كلما كانت المصادر وفيرةً وذات قيمة علمية بحيث تكون من المصادر الأصيلة في ذلك الفن انعكس ذلك على قيمة هذا التصنيف.