وقوله معقِّباً على قول البيضاوي في تعريف الأمر: ((أنّه حقيقة في القول الطالب للفعل)) (?)، قال: ((قوله الطالب فصل يخرج به الخبر وشبهه، وقوله للفعل فصل ثان يخرج به النهي، إذ هو طالب للترك، وهذا مدخول من جهة أنّ النهي طلب فعل أيضاً، ولكن فعلٌ هو كفٌّ، فلو قال: فعلُ غير كف كما فعل ابن الحاجب لسلم من هذا الاعتراض، ويعترض عليه أيضاً بقول القائل: أوجبت عليك كذا وأنا طالب منك كذا، فإنّه يصدق عليه التعريف مع كونه خبراً، فكان ينبغي أن يقول بالذات كما فعل في تقسيم الألفاظ)) (?)

غير أن ّالتاج السبكي كان في ذلك كله موضوعياً ومنصفاً، فلم يمنعه نقده للبيضاوي من إبداء محاسنه في هذا المصنف، فكان يبين وجه حسن قوله في المواضع التي ارتآه فيها محسناً، فمن ذلك: قوله مادحاً له في اختياره تعريف الشرط بأنّه ما يتوقف عليه تأثير المؤثر لا وجوده، قال: ((وإنّما قال وجوده ولم يقل ذاته كما فعل الإمام لئلا يرد على طرده العلّة التامة. . . إلى أن قال: فافهم ذلك فهو من محاسن المصنف.)) (?)

8 - ختمه المسائل بذكر فوائد عامة ويكثر من إيراد الفروع الفقهية المبنية على المسألة الأصولية: امتاز التاج السبكي في شرحه هذا بأنّه كان كثيراً ما يختم المسألة بذكر بعض الفوائد العامة التي يَحسُن التنبيه عليها مما له علاقة بموضوع المسألة المطروحة، كما أنّه يعقب المسألة بذكر بعض الفروع الفقهية المبنية عليها مقرراً فيها مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه، فمن النوع الأول:

قوله بعد شرح مسألة وجوب الشيء يستلزم حرمة نقيضه ونختم الكلام في المسألة بفوائد ... وذكر خمسة فوائد منها قوله: ((الثانية: قال النقشواني: لو كان الأمر بالشيء نهياً عن ضده للزم أن يكون الأمر للتكرار وللفور، لأنّ النهي كذلك، وأجاب القرافي: بأنّ القاعدة أنّ أحكام الحقائق التي تثبت لها حالة الاستقلال لا يلزم أن تثبت لها حالة التبعية)) (?).

وأما الفروع الفقهية فكثيرة جداً، وقد أسهب التاج السبكي فيها في كثير من المواضع، منها:

قوله في باب المشترك: ((يضاهي الخلاف الأصولي في حمل المشترك على معنييه في الفقه أمور منها: لو وقف على مواليه وله مَوال من أعلى ومَوال من أسفل، فأوجهٌ: أرجحها عند الغزالي بطلانه، وهو منقدح على رأي من يمنع استعمال المشترك في معنييه.

الثاني: يصح، ويصرف إلى الموالي من أعلى.

والثالث: يصح، ويقسم بينهم، وهو الأصح عند الشيخ أبي اسحق وشيخه القاضي أبي الطيب وفقاً لقاعدة الشافعي.

والرابع: يصرف إلى الموالي من أسفل لاطراد العادة بالإحسان إلى العتقاء.

والخامس: الوقف إلى حين يصطلحوا، وهو متجه على رأي من يُجوِّز الاستعمال ويمنع الحمل، قال: ووجه مضاهاة هذا الفرع للمسألة التي انتهينا منها: أنّ لفظ الموالي مشترك بين الموالي من أعلى والموالي من أسفل)) (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015