4 - الاهتمام بتحرير مواضع النزاع: أكثرَ التاج السبكي في شرح ((المنهاج)) من توضيح محل النزاع في المسائل الأصولية المختلف فيها، فهو لا يمرُّ بمسألة فيها خلاف إلا بيّنه وبين النقطة التي وقع فيها الخلاف تحديداً وذلك ببيان مواضع الاتفاق والاختلاف، ومن الشواهد الدالة على ذلك:
قوله في مباحث الحكم في مسألة التكليف بالمحال: ((ما لا يَقْدرُ العبدُ عليه قد يكون معجوزاً عنه متعذِّراً عادةً لا عقلاُ كالطيران في الهواء، وقد يكون متعذِّراً عقلاً ممكناً عادةً كمن علِم اللهُ تعالى أنّه لا يؤمن؛ فإنّ إيمانه مستحيل والحالة هذه عقلاً؛ لتعلُّق علْم الله به، وإذا سُئل ذوو العوائد عنه حكموا بأنّ الإيمان في إمكانه، وهكذا كل طاعة قُدّر في الأزل عدمها، وقد يكون متعذِّراً عادةً وعقلاً كالجمع بين السواد والبياض، إذا عرفت هذا فمحل النزاع في التكليف بالمستحيل إنّما هو المتعذِّر عادةً سواءً أكان معه التعذّر العقلي أم لا، أما المتعذر عقلاً فقط لتعلُّق علم الله به فأطبق العلماء عليه، وقد ... كلّف الله الثقلين أجمعين بالإيمان مع قوله: (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ ولَو حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِين) (?))) (?)
5 - استيعاب المسألة وجمع كل ما قيل فيها: امتاز التاج السبكي في هذا الشرح أنّه كان يُلمّ بالمسألة من كل جوانبها؛ فيُورد كل ما ذكر فيها من الأقوال، ويذكر الأدلة والاعتراضات عليها وردِّها إن اقتضى الأمر.
فمن ذلك ما دوّنه التاج السبكي شارحاً به قول البيضاوي: ((وجوب الشيء يستلزم حرمة ... نقيضه ... )) (?).
قال التاج السبكي: ((هذه هي المسألة المعروفة بأنّ الأمر بالشيء هل هو نهي عن ضده؟)) (?)، ثمّ حرر موضع النزاع فيها، وذكر ما ورد فيها من أقوال، ثمّ عقب ذلك بأدلة كل فريق ومن ثمّ قال: ((واعلم أنّه قد تردد كلام الأصوليين في المراد من الأمر المذكور في هذه المسألة، هل هو النفساني؟ فيكون الأمر النفساني نهياً عن الضد نهياً نفسانياً، أو اللساني فيكون النهي عن الأضداد بطريق الالتزام)) (?)، ثمّ تكلم في الأمر النفسي وبين ما فيه من أقوال، وبعدها تكلم في اللساني كذلك، ثمّ قال: ((هذا خلاصة ما يجده الناظر في كتب الأصول من المنقول في هذه المسألة، وهو هنا على أحسن تهذيب وأوضحه)) (?).
ثم ختم المسألة بذكر فوائد خمسة (?) ليكون بذلك قد أتى بالمسألة على أتمّ وجه، فلم يدع شاردة ولا واردة إلا وأتى بها.
6 - كثرة استدراكه على البيضاوي وذِكرُ أقوالٍ أخرى غير التي في المتن: لم يكن التاج السبكي مقرراً لما في متن ((المنهاج)) فحسب، بل وجدتُه كثيرَ الاستدراك على البيضاوي في المسائل التي أغفلها، فكان يُنَبّه عليها ويذكر أقوالاً أخرى غير التي أوردها البيضاوي، ومن ذلك: