1 - لقد أخذ ((الإبهاج)) أهميته من أهمية أصله: ((المنهاج))، ((فالمنهاج)) كما بيَّنتُ هو من أهم المتون الأصولية المعتمدة، وهذه الأهمية بذاتها انعكست على شروح ((المنهاج)) ومن بينها شرح ابن السبكي.

2 - إنّ ابن السبكي كان ضليعاً في علمَي المنطق والكلام؛ مما أعطاه مقدرةً واسعةً على تحليل كلام البيضاوي، وذِكر ما وُجّه إليه من اعتراضات وردِّها بالطرق المنطقية والكلامية.

3 - إنّ ابن السبكي كان مطلعاً على شروح ((المنهاج)) السابقة، ولهذا كان يُكثِر من تعقُّبها والنّقل عنها مما جعل كتابه هذا شاملاً وجامعاً لكل ما قيل عن ((المنهاج)) قبله.

4 - إنّ ابن السبكي كان ذا اطلاع واسع على كتب الأصوليين وعلى أقوالهم؛ لهذا وجدناه يُكثر من النقل عنهم والاحتجاج بهم، ومنها مصنفات مفقودة لم يُعثر عليها، وبذلك فقد حَفظ لنا التاج السبكي كثيراً من الآراء الأصولية التي قد لا تجدها عند أحد سواه.

وبالإضافة إلى ذلك فقد امتاز ((الإبهاج)) بعدّة مميزات، أذكر منها:

1 - استخدام أسلوب المحاورة في الشرح: لقد نهج التاج السبكي في شرحه هذا منهج المحاورة (فإن قلتَ ... قلتُ أو قلنا ... )، فهو يذكر المسألة بشكل حِواريّ، ويذكر الاعتراضات ويردها بهذا النهج أيضا، وهذا الأسلوب يُعطي القارئَ قُدرةً على المضيّ قُدُماً في توضيح المسألة شيئاً فشيئاً، إضافة إلى ما يمتاز به هذا الأسلوب من التشويق وعدم الملل منه، وهذا المنهج واضح جَليٌّ في أغلب مباحث الكتاب.

2 - المقارنة بين نسخ ((المنهاج)) وإثبات ما بينها من اختلافات: لقد كان الإمام تاج الدين مطلعاً على أكثر من نسخة ((للمنهاج))، لذا تجده يُثبِت ما بين هذه النسخ من اختلافات، فمن ذلك قوله عند قول البيضاوي في بيان أدلة حجية الإجماع: ((الثالث: قال عليه الصلاة والسلام لا تجتمع أمتي على خطأ ... )) (?)، قال التاج السبكي معقِّباً: ((هذا الدليل ساقط في كثير من النسخ؛ ولذلك لا تجده مشروحاً في بعض الشروح)) (?).

3 - المقارنة بين ((المنهاج)) وأصوله: لقد امتاز التاج السبكي في هذا الشرح بعقد المقارنات بين عبارة ((المنهاج)) وأصوله المأخوذ منها: ((المحصول)) و ((الحاصل))، فهو في كثير من الأحيان يذكر إمّا موافقة البيضاوي لأصوله أو مخالفته لهم، فمن ذلك قوله عند الحديث على تخصيص مفهوم المخالفة: ((وقد شَرَطَ المصنف تَبَعاً لصاحب ((الحاصل)) في هذا القسم أن يكون المخصِّص راجحاً، وهو شرطٌ لم يذكره الإمام)) (?)، فبيَّن التاج هنا موافقة البيضاوي لصاحب الحاصل ومخالفته للإمام الرازي.

ومنه قوله في باب التعادل والتراجيح في الباب الثاني: ((عرّف الترجيحَ بأنّه تقويةُ إحدى الأمارتين على الأخرى ليُعمل بها أي: بالأمارة التي قَويت، وهو مأخوذ من الإمام إلا أنّ الإمام أبدل الأمارتين بالطريقتين، وما فعله المصنف أصرّح بالمقصود، إذ يمتنع الترجيح في غير الأمارتين والإمام قال: ليُعلم الأقوى فيُعمل به، وحذف المصنف لفظة العلم وهو حسن، إذ يُكتفى بالظن ... بالترجيح)) (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015