2 - احترامه لأهل العلم: الإمام تاج الدين السبكي كان كثير الاحترام والتقدير لأهل العلم قاطبة، فقد كان يعرف للعلماء أَقدارَهُم، وينزلهم منازلهم في أعلى المراتب، وكان التاج يرى أنّ منازل العلماء هي من أعلى المنازل، بل لقد وجدته عدّ العلماء أعلى وأرفع من الملوك والأمراء، فهو يقول في مقدمة طبقاته: ((الحمد لله الذي رفع طبقات العلماء على هام الملوك وتاجها، ودفع بألسنتهم من تُرَّهات المبطلين ما لم يدفعه مساجد التقى، ومشاهد الوغى عند عجاج ليلها، وليل عجاجها، وقمع بهم شبهات الملحدين، وما شبهة الملحدين إلا ليل غمة، وكلمة العالم صبح انفراجها)) (?).
ولعل أكبر دليل على حب التاج للعلماء، هو إخراجه لكتاب جمع فيه طبقات العلماء الشافعية، فجمع فيه أشتات العلماء وبيّن مراتبهم، وكان رحمه الله تعالى لا يذكرهم إلا بصفات المدح والتبجيل والتفخيم والتعظيم، فهو لا يذكر إلا مناقبهم، ويدافع عنهم، ويَذبّ عن أعراضهم، وينتقد من ينتقدهم.
وكان كثيراً ما يَغضّ الطرف عن مثالبهم، وإذا ما بَدَرتْ من أحدهم غلطة أو سقطة كان دائماً حَسَنَ الظَنِّ بهم يَلتمِسُ لهم الأعذار، ويُؤوّل لهم الأقوال، إلا إذا اقتضت الضرورة غير ذلك؛ فإنّه كان ينبّه على بعضها، وذلك لا يوجب نقصاً من أقدارهم، ولا طعناً فيهم؛ بل ليكون طلبة العلم على معرفة بها والحذر منها حتى لا يقعوا فيها.
3 - اتباعه للحق وإنصافه لخصومه: كان الإمام تاج الدين السبكي كثير التحرّي للحق، وهو يدور مع الحق حيث دار، ولا يمنعه من قبول الحق محاباة لأحد ولا مجاملة لأي كان حتى ولو كان والده، فهو لا يتحرّج من مخالفة والده في مسألة رأى أنّ والده قد جانب الصواب فيها، لذلك وجدته قد عقد فصلاً في آخر كتابه ((الترشيح)) للمسائل التي رجّح فيها خلاف والده ويقول في ذلك: ((وذكرت من معترضاتي على الوالد، وسأذكر في آخر الكتاب أيضاً منه، ليُعلَم أنا إن شاء الله لا نحابي في دين الله أحداً، ولو حابينا لحابينا الوالد)) (?).
وبلغ من شدة تحرّيه الحق في المسائل رحمه الله تعالى، كان أحياناً ما يختلف قوله في المسألة الواحدة في كتبه المختلفة، فتراه في موضع ما يقرّر المسألة بوجه، ثم يرجع في كتاب آخر ويقرّرها بوجه آخر مغايراً له، بل إنّه قد يصرّح بخطئه ويرجع عن قوله ولا يرى في ذلك تحرّجاً، فمن ذلك أنّه صرّح في ((جمع الجوامع)) في مبحث (لو) اختيار كلام والده في عدم كونها امتناعية حيث قال هناك: ... ((والصحيح وفاقاً للشيخ الإمام امتناع ما يليه واستلزامه لتاليه)) (?).