فمن ذلك نقده لحكام زمانه الذين يكثرون من بناء الجوامع بلا حاجة لها، مع العلم بأنّ تعدّد الجمعة فيها غير جائز عند أكثر العلماء فيقول التاج في حق هؤلاء: ((ولقد رأينا منهم من يَعمُرُ الجوامع ظانّاً أنّ ذلك من أعظم القرب ... فينبغي أن يُفهّمَ هذا الملك أنّ إقامة جمعتين في بلد لا تجوز عند الشافعي وأكثر العلماء؛ فإن قال: قد جوزها قوم منهم قلنا له: إذا فعلت ما هو واجب عليك عند الكل فذاك الوقت إفعل الجائز عند البعض، وأما أنّك ترتكب ما نهى الله عنه وتترك ما أمر به، ثم تريد أن تَعمُرَ الجوامع بأموال الرعايا ليقال: هذا جامع فلان، فلا والله لن يتقبله الله أبداً، وإنّ الله سبحانه طيّب لا يَقبلُ إلا طيباً)) (?).
ويقول في موضع آخر منتقداً أحكام الولاة: ((وبعض من طبع الله على قلبه من الولاة يأمر الرجلَ أن يُجّرد، فإذا شرع الجلاد في ضربه قام الوالي للصلاة وأطال ـ سمعت ذلك عن بعض ولاة القاهرة ـ فيستمرُّ المضروب تحت العصي والمقارع ما دام الوالي في الصلاة فقبحه الله، آلله أمره بهذا، وأي صلاة هذه؟!)) (?).
ويقول عن عوائد نظّار الجيش القبيحة: ((أنّهم يقولون هذا شرع الديوان، والديوان لا شرع له، بل الشرع لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم، فهذا الكلام يُنهي إلى الكفر، وإن لم تنشرح النفس لتكفير قائله، فلا أقلَّ من ضربه بالسياط؛ ليكفَّ لسانه عن هذا التعظيم الذي هو في غنىً عنه)) (?).
وبعد أن ذكر جملةً من القبائح والمنكرات التي ينغمس فيها أصحاب الساسة والأمراء قال: ... ((ولكنهم احجتروا (?) وفعلوا هذه القبائح، وطلبوا من الله تعالى أن ينصرَهم، ومنا أن ندعوَ لهم، ولو أنّهم اتقوا الله حقّ تقاته، لما افتقروا إلى دعائنا)) (?).
هذا وقد استرسل الإمام تاج الدين السبكي في بيان قبائح الولاة والحكام، وبيّن ما يجب عليهم أن يفعلوه، ومن ثم تناول جميع فئات الشعب، مبيّناً لكل فئة ما يجب عليها فعله وما ينبغي عليها الكفَّ عنه، بأسلوب سهل مبسط مقبول، فهو يشدد حيث تعيَّنَ التشديد وبخاصة عند توجيه النقد للحكام والولاة، ويمارس الرفق واللين عند مخاطبته العامّة والدهماء من الناس (?).