وأما موقفه مما يَصدُرُ عن الصوفية من ألفاظٍ مُوهمٌ ظاهرها الخروج عن رِبْقَةِ التوحيد فهو موقف معتدل وسط، فهو يرى أنّه ينبغي النظر أولاً إلى لزوم الشخص لأوامر الله تعالى، فإن كان كذلك وجب حسن الظن به ويقول: ((وتلك الأمور قَلَّ أن يفهما من يَعِيبُها، والواجب تسليم أحوال القوم ... إليهم، وإنا لا نؤاخذ أحداً إلا بجريمة ظاهرة ومتى أمكننا تأويل كلامهم وحمله على محمل حسن لا نعدل من ذلك لا سيّما من عرفناه منهم بالخير ولزوم الطريقة، ثم إن بَدَرتْ لفظة من غلطة أو سقطة فإنّها عندنا لا تهدم ما مضى)) (?).
واعلم أنّ التصوف الذي يتحدث عنه التاج السبكي، هو التصوف الصافي النقي على طريقة إمام الطائفة الجنيد (?) رحمه الله تعالى، وأبو القاسم القشيري (?)، وليس كل من تزيّى بزي الصوفية ونسب نفسه إليهم ممن يسيئون إلى التصوف وأهله الذين يقول فيهم التاج: ((اعلم أنّهم [أي الصوفية] قد تشبه بهم أقوام ليسوا منهم، فأوجب تشبه أولاء بهم سوء الظن، ولعل ذلك من الله تعالى قصداً لخفاء هذه الطائفة التي تؤثر الخمول على الظهور)) (?).
المبحث الثامن
مظاهر من شخصيته
إنّ من يطالع مصنفات التاج السبكي يرى واضحاً بروز شخصيته المميَّزة، ويستطيع أن يدركَ بعض الجوانب المهمة في شخصية هذا الرجل الفذ، وها أنا اذكر لك بعض هذه الجوانب ومنها:
1 - قيامه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: إنّ وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أَولى أولويات العلماء العاملين المخلصين، فالعالم الحق لا يسكت على منكر يراه بل تراه يُجنِّد كل طاقاته لمحاربته والكف عنه، ولا يخشى في ذلك لومة لائم.
والإمام تاج الدين السبكي طرازٌ فريدٌ من نوعِهِ غير قابل لأن تلينه المؤثرات، وقد كان رحمه الله تعالى سَليطَ اللّسان والبنان في محاربة المنكرات أيا كان نوعها وأيا كان فاعلها، فهو دائماً ما يصحّح ويشدّد النكير إما على عامّي فاسق، أو حاكم مارق، أو عالمٍ أو قاضٍ أو مُفتٍ أو صوفي جاهل.