تصوفه وموقفه من الصوفية:

لم تَذْكُر المصادر التاريخية عن تَصوّف السبكي شيئاً، وليس بين يدي شيء عن صحبته في التصوف أو على من تخرج فيه، غير أنّه من المقرّر المعلوم لديّ أنّ والده الشيخ تقي الدين كان قد صحب في التصوف الشيخ العارف بالله ابن عطاء الله السكندري (?) وعليه تخرج في هذا العلم (?).

والشيخ تقي الدين كان من العلماء العارفين بالله تعالى وقد كان الشيخ تقي الدين أول مربٍّ موجِّه لولده، مما يقوي لديَّ احتمالية أنّ التاج قد أخذ التصوف عن والده وانتسب فيه إليه.

وإنّ لدي من النصوص ما تثبت أنّ التاج السبكي كان ذا قدم راسخة في التصوف، فمن ذلك قوله في كتابه ((معيد النعم)) إبّان حديثه عن أسباب زوال النعم: ((وأنا أبحث عن هذه الأمور ... بحثاً مختصراً، لا أرخي فيه عنان الإطناب؛ فإنّه بحر لا ساحل له، لو ركبت فيه الصعب والذلول، وشمرت فيه مساق البيان، وخضت فيه لجج الدقائق، لذَكَرتُ ما يعسر فهمه على أكثر الخلائق، ... ولانتهينا إلى ما لم يُؤذَن لنا في إظهاره من الأسرار العلمية)) (?).

ثم أخذ يتكلم عن الشكر بلسان العارف البصير، وبيّن ما على الإنسان فعله شكراً لربه تعالى، وذكر أسباب زوال النعم، فشخص الداء ووصف له العلاج الناجح، وما هذه العلوم إلا من لب علم التصوف.

وقد كان تاج الدين السبكي كثير المحبة والإجلال والتعظيم للصوفية فهو لا يذكرهم إلا بألفاظ التبجيل والتفخيم، فهو يقول عنهم في كتابه: ((معيد النعم)): ((الصوفية: حَيّاهُم الله وبَيَاهُم وجمعنا في الجنة وإياهم)) (?).

ويقول أيضا: ((والحاصل أنهم أهل الله وخاصته الذين تُرتَجى الرحمةُ بذكرهم ويُستنزلُ الغيثُ بدعائهم، فرضي الله عنهم وعنا بهم.)) (?)

وقد حذّر التاج السبكي من الإنكار عليهم والوقوع في أعراضهم، فقال: ((وقد جرّبنا فلم نجد فقيهاً ينكر على الصوفية إلا ويهلكه الله تعالى وتكون عاقبته وخيمة ... إلى أن قال: لأنّ هؤلاء القوم لا يعاملون بالظواهر، ولا يفيد معهم إلا الباطن ومحض الصفاء، وهم أهل الله وخاصته نفعنا الله بهم، وأكثر من يقع فيهم لا يفلح)) (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015