2 - موافقته له في كثير من اختياراته

ثانياً: إمام الحرمين الجويني:

يعد إمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني من أركان طريقة المتكلمين الأصولية، ولا يكاد يخلو أيُّ كتاب أصولي من ذكره وذكر آرائه، وتعد مؤلفاته من أعظم ما ألف في هذا الفن، حيث يقول التاج السبكي عن ((البرهان)) إنه من مفتخرات الشافعيين (?)، وأما كتابه ((التلخيص)) فيقول عنه: ((إني على كثرة مطالعتي في الكتب الأصولية للمتقدمين والمتأخرين، ... وتنقيبي عنها على ثقة بأني لم أر كتابا أجلَّ من هذا التلخيص، لا لمتقدم ولا لمتأخر، ومن طالعه مع نظره إلى ما عداه من المصنفات، عَلِمَ قدر هذا الكتاب.)) (?)

إذا عرفت ذلك فلا تستغرب إذا ما قلت لك أن التاج السبكي كان من أكثر العلماء الذين تأثروا بإمام الحرمين وتبنوا آراءه وناضلوا عنها، وكان يقف سداً منيعاً في وجه كل من يخالف الإمام الجويني أو ينتقص من قدره، ويظهر تأثير إمام الحرمين في التاج السبكي في النواحي الآتية:-

1 - كثرة النقول التي يوردها التاج السبكي عن إمام الحرمين

1 - كثرة النقول التي يوردها التاج السبكي عن إمام الحرمين: وهذه النقول تمتاز بالإطالة حيث وجدته ينقل عن إمام الحرمين النصوص الطويلة الحرفية والتي قد تتعدى الصفحة والصفحتين، وقد بلغ عدد النقول التي أوردها التاج السبكي في كتاباته حوالي أربعمئة وواحد وستين موضعا (461).

2 - أن التاج السبكي في كثير من اختياراته الأصولية وترجيحاته إنما يكون فيها موافقا لإمام الحرمين، ... ولا أبالغ إذا ما قلت أنه من أكثر العلماء الذين تأثروا بالإمام الجويني ومن الشواهد الدالة على موافقته لإمام الحرمين في الاختيارات:-

قوله في مسلك السبر والتقسيم: ((وقد صرّح إمام الحرمين في كتاب ((الأساليب)) بأنّ السبر والتقسيم لا يُحتجُّ به إلا إن قام الدليل على أنّ الحكم معلّلٌ وأنّ العلة منحصرة في أحد أوصاف معينة ومتحدة، ثم يبطل ما عدا الوصف المدَّعى علةً فيثبت حينئذ علِّيَّة ذلك الوصف [قال التاج السبكي معلقا]: وهو المختار.)) (?)

وقوله في مسألة العام إذا خُصَّ كان مجازاً في الباقي بعد ذكره الأقوال الواردة في المسألة: ... ((واعلم أنّ رأي إمام الحرمين هو المختار عندي وأنا أبسطه ليتضح ... اختار الإمام أنه مشترك بين الحقيقة والمجاز ... )) (?)

وقوله في ((منع الموانع)) في الحديث على الإكراه: ((إن التكليف في حقه مستصحب لا واقع وقوعاً مبتدأً كما حققناه في الخارج من المغصوب نحن وإمام الحرمين، حين قلنا: إنه مرتبك في المعصية، وهذا وإن رده رادّون على إمام الحرمين فهو عندنا الحق الذي لا مرية فيه.)) (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015