قال الآمدي ومن تبعه: ما عُلِّقَ المأمورُ به من الشرط أو الصفة إما أن يكون ثبت كونه علَّةً لوجوب الفعل مثل {الزانيةُ والزاني فاجلدوا} (?)، وقولنا: إن كان هذا المائع خمراً فهو حرام؛ فإنّ الحكمَ يتكرَّر بتكرره اتفاقا، وإن لم يثبت كونه علَّةً بل توقَّفَ الحكمُ عليه من غير تأثير له كالإحصان الذي يتوقف عليه الرجم، فهو محل الخلاف، انتهى)) (?) (?).
2 - وقوله في مسألة عمل الصحابي بخلاف ما روى في ((رفع الحاجب)): ((وقد جعل المصنف - تبعا للآمدي (?) - موضوع المسألة في الصحابي يَعملُ بخلاف ما رواه، لا في راوي الخبر مطلقا ... وأما الإمام الرازي (?) وغيره، فذكروا أنّ الخلافَ في المسألة واقعٌ على الراوي يعمل بخلاف خبره، سواء كان صحابيا، أم لا إذا كان من الأئمة، وهو الصحيح، وبه صرَّح إمام الحرمين)) (?)
ففي هذا المثال ترى أن التاج السبكي نقل عن الآمدي وابن الحاجب تخصيصهم محل النزاع في عمل الصحابي فقط، ولكنه لم يرْتَضِ ذلك، بل نقل عن الإمام الرازي أنه عمَّم النزاع في كلِّ راوٍ يعمل بخلاف ما روى، فعند الآمدي ومن تبعه محلُّ النزاع محصورٌ في صورة الصحابي فقط، في حين وسَّع الإمام الرازي وأتباعه محلَّ النزاع في كلِّ راوٍ.
وجدت التاج السبكي يتَّبع منهجاً في إيراد محل النزاع في أول المسألة بحيث يبدأُ بتحرير محل النزاع ومن ثم يُعرِّجُ إلى شرح المسألة وبيان ما فيها من أقوال وحُجَج.
ومن الشواهد الدالة على ذلك:-
1 - قوله في مسألة أقل الجمع في كتابه ((الإبهاج)): ((اختلفوا في أقل الجمع على مذاهب، وليس محل الخلاف فيما هو المفهوم من لفظ الجمع لغة، وهو ضَمُّ شيء إلى شيء؛ فإن ذلك في الاثنين ... والثلاثة، وما زاد بلا خلاف، وقد أفهمَ كلامُ ابنُ برهان في ((الوجيز)) خلاف ذلك، وليس كما أفهم، وإنما محل الخلاف في اللفظ المسمَّى بالجمع في اللغة مثل: مسلمين وغيره من جموع القلة لا جموع الكثرة فإنّ أقلَّها أحدَ عشر بإجماع النحاة)) (?).
ثم عرض بعد ذلك للمذاهب الواردة في أقل الجمع وحججهم وما يرد عليها.
2 - قوله في مسألة عموم المقتضى في كتابه رفع الحاجب: ((اعلم أنّ التقديرات الصالح أحدها للإضمار قد يعمُّها لفظ، وقد لا يعَمُّ متعدّداً منها لفظ، بل تكون أموراً متباينة، وهو الغالب ... ، وحينئذٍ فقد يكون بينها جميعا أو بينها وبين بعضها تناف، وقد لا يكون، فهذه أقسامٌ كثيرة لن يُقدِّمَ المتأملُ كلامنا في هذه المسألة أمثلها.
[ثم قال:] ويجب عندي انتفاء الخلاف عن قسمين منها:
أحدهما: ما إذا كان اللفظ عامّاً لجميع تلك الأمور فأنّ الواجبَ تقديرُ ذلك العام، لأنه أقرب إلى الحقيقة.