فإن الناظر في هذا التعريف قد يتلَمَّحُ مسائلَ الباب وأحكامه منه فمن ذلك قوله ''اتفاق'' يدل على أنه لا عبرة بانفراد الواحد بقولٍ لا يوجد غيره، كما يدل على خروج الإجماع السكوتي لأنه ليس اتفاق بهذا المعنى، وقوله ''مجتهدي الأمة'' لبيان أن الإجماع مقتصرٌ في المجتهدين فقط ولإخراج عوام الأمة وإخراج إجماع أهل المدينة وأهل البيت والخلفاء الأربعة والشيخين وأهل الحرمين والمصرين ونحوها، وقوله ''بعد وفاة محمد صلى الله عليه وسلم'' لبيان أنه لا يكون الإجماع في عهده صلى الله عليه وسلم إذ العبرة بقوله أو تقريره، وقوله ''في عصر'' فهو للقّدْر المشترك بين الأعصار كلها، ... ونكَّرَها لأنه لا يظهر فرقٌ بين عصر وعصر، وفيه إشارة إلى أنه غير مختص بعصر الصحابة، ... وقوله ''على أي أمر كان'' بيانا أن الإجماع ينعقدُ على أيِّ أمرٍ سواء أكان في العقليات أو اللغويات أو ما أصله أمارة ونحوها (?).
فهذه الأمور كلُّها قد عُلِمت من التعريف فلو أنه اكتفى به دون ذكرها لكان في ذكر هذا الحد على هذه الصورة غنىً عنها، وقد وجدت التاج السبكي قد صرَّح بكل هذه المسائل بعد ذكر التعريف (?)، فكان كما قال من أنه قد بنى المسائل على التعريف واستخرجها منه.
المبحث الثاني
منهجه في تحرير محل النزاع
المقصود بتحرير محل النزاع هو: تعيين نقطة الخلاف بالتحديد وبيان مقصود المتخالفين حتى يظهر منذ البداية إذا كان مقصودهما متحدا، أو أن أحدهما يقصد خلاف ما يقصده الآخر، ومن فوائد تحرير محل النزاع حصر محل النزاع في صور محدودة أو توسيعه بناءً على إدخال صُور أخرى فيه (?).
لقد اهتمَّ التاج السبكي بتحرير محل النزاع ولم يكن يُطلق الخلاف في مسألة ما، بل كان يَعْمَدُ إلى تحرير محل الخلاف فيها، مبيِّنا المحل الذي وقع فيه النزاعُ تحديدا، وإخراج ما عداه من الصور التي لا خلاف فيها.
وهذا المنهج اتبعه التاج السبكي في شرحيه على ((المنهاج)) و ((المختصر)) لأن هذه الأماكن هي محلها، أما في ((جمع الجوامع)) و ((منع الموانع)) فلم يتعرَّض له، وذلك نظراً لطبيعة الكتابين الأول: متنٌ لا يُتعرَّضُ فيه عادةً إلى تبيين محل النزاع، والثاني: جاء رداً وبياناً لما وُجِّه إلى ((جمع الجوامع)) من انتقادات واستفسارات.
وقد اتبع التاج السبكي عدة طرائق في تحرير محل النزاع أذكر منها:
من الطرائق التي اتبعها التاج السبكي في تحرير محل النزاع هو أنه كان يأتي بتحرير محل النزاع نقلا عمن قام بتحريره من العلماء مكتفيا بما أوردوه.
ومن الشواهد الدالة على ذلك:
1 - قوله في بيان مسألة الأمر المعلَّق بشرط أو بصفة هل يفيد تكرار المأمور به أو لا في كتابه ((الإبهاج)): ((ولا بد من تحرير محل النزاع قبل الكلام فيها، فنقول: