والثاني: أن يتنافيا، فالواجب عدم تقديرهما ... فنخصُّ محلَّ الخلاف بما وراء هذين القسمين [ثم قال:] وإذا عرفت محله فنقول)) (?) ثم ذكر المذاهب والحجج على ذلك.
وهذه طريقة أخرى اتبعها التاج السبكي في بيانه لمحل النزاع مُلَخَّصها: أنّ التاج السبكي يبدأُ بشرح المسألة وما فيها من أقوال وحجج ومن ثَمَّ يختمُ المسالة ببيان محل النزاع، وأحيانا كان يجعل تحرير محل النزاع فائدةً من الفوائد التي يختم بها المسائل وإليك الأمثلة على ذلك:-
1 - قوله في مسألة غلبةَ المجاز على الحقيقة بعد شرح المسألة: ((واعلم أنّ التمثيل بالطلاق من أصله فيه نظر متوقف على تحرير محل النزاع في المسألة، وهو مهم وقد حرَّره المتأخرون من كتب الحنفية، [ثم حرر المسألة فقال:] المجاز أقسام:
الأول: أن يكون مرجوحاً.
والثاني: أن يساوي الحقيقة في الاستعمال، فلا ريبَ في تقديم الحقيقة في هذين القسمين.
والثالث: أن تُهْجَرَ الحقيقةُ بالكلية بحيث لا تُرادُ في العُرْف فقد اتفقا [أبو حنيفة وأبو يوسف] على تقديم المجاز ...
الرابع: أن يكون المجاز راجحا، والحقيقة تتعاهد في بعض الأوقات ... فهذا هو محل النزاع)) (?).
2 - وقوله في مبحث الاستصحاب في رفع الحاجب بعد شرح كلام ابن الحاجب: ((ونحن نقول: للاستصحاب صور:
إحداها: ما ذكرناه من استصحاب العدم الأصلي، وهذا إن ثَبتَ فيه خلاف، فَلغير أصحابنا، وأما أصحابنا فمُطبقون على أنه حُجَّة.
والثانية: استصحابُ مقتضى العموم، أو النص إلى أن يَرِدَ المخصِّصُ والناسخ، ولم يختلف أصحابنا في أنه حُجَّة أيضا ...
والثالثة: استصحاب حال الإجماع في محل الخلاف ... [قال:] هذا محل الخلاف بين أصحابنا)) (?)
3 - ومن المسائل التي جعل تحريرَ محل النزاع فيها فائدةً مستقلة قوله بعد الحديث على حمل اللفظ على الحقيقة والمجاز في رفع الحاجب حيث ذكر فوائد منها الثانية قوله: ((الخلاف في الحمل على الحقيقة ... والمجاز إنما هو فيما إذا ظهر قَصْدُ المجاز بقرينة مع السكوت عن الحقيقة، أو قصدهما معا، أما إذا قَصدَ الحقيقةَ فقط، فالحمل عليها فقط بلا نزاع، أو المجاز فقط اختصَّ به بلا نزاع ... [إلى أن قال:] فإذن الصور أربع:
إحداها: أن تدلَّ القرينةُ على إرادة المجاز مع السكوت عن الحقيقة، وهي من محل الخلاف.
والثانية: أن تدلَّ على إرادتهما جميعا، وهي أيضا من محل الخلاف ...
والثالثة: ألا تكون قرينة، ولكن للمجاز شُهْرةٌ وازى بها الحقيقة، وهي من محل الخلاف أيضا ...
والرابعة: حالةُ الإطلاق مع عدم شُهْرة المجاز، ولا خلاف أنه لا يحمل فيها على المجاز ... وإن أوهمَ كلامُ بعضهم أنه من محل الخلاف فلا تعتبره، وهذا فصلٌ نفيسٌ فاحفظه)) (?).