المقصود بالحد المنطقي هو: القولُ الدالُّ على ماهية الشيء (?)، بمعنى أنه لا يذكر في تعريفه إلا ما يدلُّ على حقيقته بذكر مقوِّماته الأساسية، وصفاته الذاتية دون غيرها.
وقد اتبع التاج السبكي في تعريفاته هذا النمط من التعاريف، ومن الشواهد الدالة على ذلك:-
1 - قوله في تعريف النظر أنه: ((الفكرُ المؤدي إلى علم أو ظن)) (?)
فقوله ''الفكر'': جنسٌ يشمل حركة التخيلات وغيرها، وقوله ''المؤدي'' فصلٌ خرج به ما لا يؤدي كذلك كالحدس، ويدخل فيه الفكر الذي يُطلبُ به التصور والذي يُطلبُ به التصديق؛ ... وأطلق العلم ليشمل العقلي وغيره تصوراً وتصديقاً بخلاف الظن؛ فإن المراد به التصديق (?).
2 - وقوله في تعريف فرض الكفاية بأنه: ((مُهمٌّ يُقصَدُ حصوله من غير نظرٍ بالذات إلى فاعله)) (?)
فقوله ''مهمٌّ يُقصَدُ حصوله'' جنسٌ يشملُ فرضَ العين وفرض الكفاية والمندوب، ... وقوله ''من غير نظر إلى فاعله'' فصلٌ يُخْرجُ فرضَ العين؛ لأن فرضَ العين يُنْظَرُ فيه إلى الفاعل فهو مطلوبٌ من كل مكلَّف فِعْلُه ولا يُجزئُ غيره القيام به، وقوله ''بالذات إلى فاعله'' لبيان أن المقصود وقوعَ الفعل بغض النظر عن فاعله لأنه هو المقصود [أي الفعل] وليس الفاعل، وإنما الفاعل مقصودٌ بالعَرَض؛ لأنه لا بد لكل فعل من فاعل، إذ الفعل من غير فاعل محال (?).
انتهج التاج السبكي هذا المنهج المتمثِّل بذكر الأقسام التي من خلالها يُتَعرَّفُ على حدود المقسَّمات دون إيراد التعريفات الحدِّية لها، ومن الشواهد الدالة على ذلك: قوله في بيان تقسيمات اللفظ: ((اللفظُ والمعنى إن اتحدا، فإن منعَ تَصوُّر معناه الشركة فجزئي، وإلا فكليٌّ، متواطئٌ إن استوى، مشكّكٌ إن تفاوت، وإن تعدَّد فمتباين، وإن اتحد المعنى دون اللفظ فمترادف وعكسه إن كان حقيقة فيهما فمشترك، وإلا فحقيقة ومجاز)) (?).
فأنت ترى أن التاج السبكي قد ذكر مجموعةً من الأمور ولم يعرِّف أيّاً منها تعريفاً حديا، إلا أنه يُمكنُ معرفةُ حدودها من خلال التقسيم الذي وضعه.
فالجزئي: ما يمنع تصوُّرُ معناه الشركة فيه.
ومن خلال المقابلة بين الجزئي والكلي يمكن حدُّ الكلي بأنه: ما لا يمنع تصوُّرُ معناه من وقوع الشركة فيه.
ثم إنّ الكليَّ ينقسم إلى قسمين:-
الأول المتواطئ: وهو ما كان حصوله على أفراده بالتساوي، والثاني المشكَّك: وهو ما لا يكون حصوله على أفراده بالتساوي، بمعنى أنه الذي يتفاوت في مفهومه شدةً وضعفا (?).
ثم تحدَّث عن القسمة الثانية للفظ والمعنى وهي: أن يتعدد اللفظ والمعنى فهو المتباين، ثم بين الترادف وهو: أن يكون اللفظ متعدداً والمعنى واحد.