لقد كان عهد السلطان الناصر محمد بن قلاوون (?) في ولايته الثالثة 709 - 741هـ (?) هو آخر عهد بالاستقرار السياسي في دولة المماليك، فبعد وفاته تولى السلطنة ثمانيةٌ من أولاده في السنوات 741هـ - 762هـ، ومن ثَمَّ في العشرين سنة التالية 762 - 784هـ، تولى السلطنة أربعةٌ من أحفاده (?)، ومعلوم أنّ هذا العدد من السلاطين دليل على عدم الاستقرار السياسي.
وقد مرّ على هذه الفترة العديدُ من الأحداث الداخلية، إذ تقلَّد حكم مصرَ سلاطين ... أطفال (?)، لم يبلغوا سن الاحتلام، كانوا يُوَلَّون ويُعْزَلون طبقاً لأهواء أمراء المماليك الذين كان لهم النفوذ الأقوى في ذلك الوقت.
وخير ما يصوِّر ذلك الوضع ما قاله أحد شعراء ذلك العصر (?):
سلطانُنا اليومَ طفلٌ والأكابرُ في ... خُلْف بينهُم والشيطانُ قد نَزَغا
فكيفَ يَطمَعُ من في نفسْهِ مَظْلمة ... أن يَبْلُغَ في السّؤْلِ والسلطانُ ما بَلَغا؟!
ولم يكن للسلاطين في ذلك الوقت إلا مجرَّد الاسم فقط، وليس لهم من الأمر شيء؛ ذلك لصغر سِنِّهم، وضعف حيلتهم، فكان السلطان آلة في السلطنة والمتصرّف الحقيقي فيها هم الأمراء (?).
وهكذا ظل حال هؤلاء السلاطين أُلعوبة في أيدي الأمراء، وإذا ما حاول أحدهم التَمرّدَ عليهم أو التخلص من نفوذهم كانوا لا يتوَرّعون عن عزله وقتله أحياناً، فقد قُتِل أربعةٌ من السلاطين أبناء قلاوون على أيدي أمراء مماليكهم (?).
وأما بقية السلاطين فقلّما تجد واحداً منهم ترك الحكم بنتيجة طبيعية كالوفاة مثلاً، بل كانوا يُعزلون ويُولَّون تَبعاً لرغبات وأهواء الأمراء، دون النظر إلى أدنى مصلحة للبلاد أو العباد.