ولم يقف الحدُّ عند تآمر الأمراء على سلاطينهم، بل وجدتُ أنّ أبناء قلاوون أنفسهم يتآمرون على بعضهم ويَقتُل بعضهم بعضاً، فقد وجدت الملك الصالح إسماعيل (?) يأمر بحصار أخيه أحمد (?) في قلعة الكرك ورميه بالمنجنيق، وذلك خَشيةً من محاولته العودة إلى السلطنة، حيث وقعت عدّة معارك بين العسكر المصري وبين أهل الكرك، وفيها قُتِل عدد كبير من الطرفين، واستمر حصار الكرك مدة سنتين انتهت بدخول الكرك ومن ثَمّ قلعتها حيث قُبِض على السلطان أحمد وقُتِل وحُمِل رأسه إلى أخيه الملك الصالح فقابله بأشدّ الفرح ولا حول ولا قوّة إلا بالله (?).
ولم يكن حال السلاطين أنفسهم بأفضل من مماليكهم، فقد عمَّ الفسق والفجور والظلم عند هؤلاء السلاطين، وفشى فيهم معاقرة الخمور وغشيان المنكرات وأكل أموال الناس بالباطل، حتى قال ابن شهبة في وصف خلاعة ومجون السلاطين وخاصة الملك المنصور سيف الدين أبو بكر (?) أنّه كان يتعاطى شرب الخمر: ((وغشيان المنكرات وتفريق الأموال على أهل الطرب، والتعاطي بما لا يليق به، ومعاشرة الخاصكية من المردان وغيرهم)) (?).
هكذا كان حال هؤلاء السلاطين، وحَريٌّ بأمّة هكذا سلاطينها أن يذيقها الله تعالى وَبالَ أمرها، وما الفتن الداخلية والاضطرابات الكثيرة وعزل السلاطين ومقتلهم إلا نكالاً من الله تعالى بهم لفسقهم وتعدِّيهم على حرمات الله (?).